الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِن يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ إِنَٰثٗا وَإِن يَدۡعُونَ إِلَّا شَيۡطَٰنٗا مَّرِيدٗا} (117)

قوله تعالى : { إِلاَّ إِنَاثاً } : في هذه اللفظة تسعُ قراءات : المشهورةُ وهي جمع أُنْثى نحو رِباب جمعُ رُبّى . والثانية : وبها قرأ الحسن " أنثى " بالإِفراد والمرادُ به الجمع . والثالثة :- وبها قرأ ابن عباس وأبو حيوة وعطاء والحسن أيضاً ومعاذ القارئ وأبو العالية وأبو نهيك- : " إلا أُنُثا " كرُسُل ، وفيها ثلاثةُ أوجه ، أحدها :- وبه قال ابن جرير - أنه جمعُ " إناث " كثِمار وثُمُر ، وإناث جمع أنثى فهو جمع الجمع ، وهو شاذ عند النحويين . والثاني : أنه جمع " أنيث " كقليب وقُلُب وغدير وغُدُر ، والأنيث من الرجال المُخَنَّثُ الضعيفُ ، ومنه " سيف أنيث وميناث وميناثة " أي : غير قاطع قال صخر :

فتخْبِرَه بأنَّ العقلَ عندي *** جُرازٌ لا أَفَلُّ ولا أَنيثُ

والثالث : أنه مفردٌ أي : يكون من الصفات التي جاءت على فُعُل نحو امرأة حُنُثٌ . والرابعة : - وبها قرأ سعد بن أبي وقاص وابن عمر وأبو الجوزاء - " وثَنا " بفتح الواو والثاء على أنه مفرد يراد به الجمع . والخامسة - وبها قرأ سعيد بن المسيب ومسلم بن جندب وابن عباس أيضاً - " أُثُنا " بضم الهمزة والثاء ، وفيها وجهان ، أظهرهما : أنه جمع وثَنَ نحو : " أسَد وأُسُد " ثم قَلَبَ الواوَ همزةً لضمِّها ضماً لازِماً ، والأصلُ : " وثُنُ " ثم أُثُن . والثاني : أن " وَثَناً " المفردَ جُمِع على " وِثان " نحو : جَمَل وجِمال ، وجَبَل وجِبال ، ثم جُمِع " وِثان " على " وُثُن " نحو : حِمار وحُمُر ، ثم قُلبت الواوُ همزةً لِما تقدَّم فهو جمعُ الجَمْعِ . وقد رَدَّ ابن عطية هذا الوجه بأنَّ فِعالاً جمعُ كثرة ، وجموعُ الكثرة لا تُجْمع ثانياً ، إنما يجمعُ من الجموع ما كان من جموعِ القلة . وفيه مناقشة من حيث إن الجمع لا يُجمع إلا شاذاً سواءً كان من جموعِ القلة أم من غيرها . والسادسة - وبها قرأ أيوب السختياني - : وُثُنا وهي أصل القراءة التي قبلها . والسابعة والثامنة : " أُثْنا ووُثْنا " بسكونِ الثاء مع الهمزة والواو ، وهي تخفف فُعُل كسُقُف . والتاسعة - وبها قرأ أبو السوار ، وكذا وُجِدَتْ في مصحف عائشة : " إلا أَوْثاناً " جمع " وَثَن " نحو : جَمَل وأَجْمال وجَبَل وأَجْبال . وسُمِّيتْ أصنامهم إناثاً لأنهم كانوا يُلْبسونها أنواعَ الحُلِيّ ويسمونها بأسماءِ المؤنثات نحو : اللات والعزى ومَناةَ . وقد رُدَّ هذا بأنهم كانوا يُسَمَّون بأسماء الذكور نحو : هُبَل وذي الخَلَصة ، وفيه نظر ، لأن الغالب تسميتهم بأسماء الاناث . و " مريداً " فعيل من " مَرَدَ " أي تَجرَّد للشر‍ِّ ، ومنه " شجرة مَرْداء " أي : تناثر ورقُها ، ومنه : الأمْرَدُ لتجرُّدِ وجهِه من الشعر ، والصَّرْحُ الممرَّد الذي لا يعلوه غبار من ذلك .

وقرأ أبو رجاء - ويُرْوى عن عاصم - " تدْعُون " بالخطاب .