محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{إِن يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ إِنَٰثٗا وَإِن يَدۡعُونَ إِلَّا شَيۡطَٰنٗا مَّرِيدٗا} (117)

( إن يدعون من دونه الا اناثا وإن يدعون الا شيطانا مريدا117 )

( إن يدعون من دونه ) ما يعبد مشركو مكة ونحوهم من دون الله ( الا اناثا ) قال الرازي : ( يدعون ) بمعنى ( يعبدون ) لأن من عبد شيئا فإنه يدعوه عند احتياجه إليه . انتهى .

وقد روى الامام أحمد{[2291]} وابن أبي شيبة وأصحاب ( السنن ) وغيرهم ، عن النعمان بن بشير ، / أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الدعاء هو العبادة " . ورواه أبو يعلى عن البراء . ورواه الترمذي{[2292]} عن أنس بلفظ : " الدعاء هو العبادة " .

وفي قوله تعالى : ( الا اناثا ) وجوه :

الأول : ما رواه ابن أبي حاتم عن عائشة قالت : " يعني أوثانا " . وعليه فمرجع التسمية بالاناث كون أسماء غالبها مؤنثة . كمناة والعزى واللات ونحوها . ولأنهم كانوا يلبسونها أنواع الحلي ويزينونها على هيآت النسوان وروي عن أبي سلمة بن عبد الرحمان وعروة بن الزبير ومجاهد وأبي مالك والسدي ومقاتل نحو ما لعائشة .

الوجه الثاني : أنه عنى الملائكة . لان بعضهم كان يعبد الملائكة ويقولون عنها : بنات الله . روى ابن جرير{[2293]} عن الضحاك في الآية : قال المشركون ، للملائكة : بنات الله . وانما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى . قال : فاتخذوهن أربابا وصوروهن جواري فحكوا وقلدوا وقالوا : هؤلاء يشبهن بنات الله الذي نعبده . يعنون الملائكة .

قال ابن كثير : وهذا التفسير شبيه بقول الله تعالى : ( أفرأيتم اللات والعزى ) {[2294]} الآيات وقال تعالى : ( وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن اناثا ) {[2295]} . . . الآية . وقال : ( وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ) {[2296]} انتهى .

وقال تعالى : ( ان الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى ) .

/ الوجه الثالث : ما رواه ابن أبي حاتم عن أبي بن كعب في الآية قال : " مع كل صنم جنية " .

الرابع : قال علي بن أبي طلحة والضحاك عن ابن عباس والحسن : " اناثا يعني موتى " . قال الحسن : " الاناث كل شيء ميت ليس فيه روح . اما خشبة يابسة واما حجر يابس " . رواه ابن أبي حاتم وابن جرير{[2297]} . وفي ( القاموس . وشرحه ) : الاناث جمع الأنثى . وهو خلاف الذكر من كل شيء . والموات الذي هو خلاف الحيوان . كالشجر والحجر والخشب ، عن اللحياني . وعن الفراء : تقول العرب اللات والعزى وأشباههما من الآلهة المؤنثة . انتهى .

وقال الامام أبو البقاء : قوله تعالى : ( الا اناثا ) هو جمع أنثى على ( فعال ) ويراد به كل ما لا روح فيه من صخرة وشمس ونحوهما . ويقرأ ( أنثى ) على الافراد . ودل الواحد على الجمع . ويقرأ ( أنثا ) مثل رسل فيجوز ان تكون صفة مفردة مثل امرأة جنب ، ويجوز ان يكون جمع أنيث كقليب وقلب . وقد قالوا : حديد أنيث ، من هذا المعنى . ويقرأ أنثا والواحد وثن وهو الصنم وأصله وثن ، في الجمع كما في الواحد الا أن الواو قلبت همزة لما انضمت ضما لازما وهو مثل أسد . وأسد . ويقرأ بالواو على الأصل جمعا . ويقرأ بسكون الثاء مع الهمزة والواو . انتهى . قال البيضاوي : ولعله تعالى ذكرها بهذا الاسم تنبيها على انهم يعبدون ما يسمونه اناثا . لأنه ينفعل ولا يفعل . ومن حق المعبود ان يكون فاعلا غير منفعل ، ليكون دليلا على تناهي جهلهم وفرط حماقتهم ( وان يدعون ) أي : ما يعبدون من دون الله ( الا شيطانا مريدا ) وهو ابليس لعنه الله لطاعتهم له في عبادتها . وإذا أطاعوه فيما سول لهم فقد عبدوه . كما قال تعالى : ( ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان ) {[2298]} وقال تعالى : ( بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون ) {[2299]} والمريد المتمرد العاتي الطاغي .


[2291]:أخرجه في المسند بالصفحة 267 من الجزء الرابع (طبعة الحلبي) ونصه: عن النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ان الدهاء هو العبادة" ثم قرأ: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين60) |40/ غافر/ 60|.
[2292]:أخرجه الترمذي في: 44 –كتاب التفسير، 2 –سورة البقرة، 16 –حدثنا هناد.
[2293]:الأثر رقم 10437 ونصها: عن الضحاك، في قوله: (ان يدعون من دونه الا اناثا) قال: الملائكة. يزعمون أنهم بنات الله.
[2294]:|53/ النجم/ 27|.
[2295]:|43/ الزخرف/ 19| ونصها: (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمان اناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسئلون19).
[2296]:|37/ الصافات/ 158| (... ولقد علمت الجنة انهم لمحضرون158).
[2297]:الأثر رقم 10436 ونصه: عن الحسن (ان يدعون من دونه الا اناثا) قال: و "الاناث" كل شيء ميت ليس فيه روح: خشبة يابسة: أو حجر يابس. قال الله تعالى: (وان يدعون الا شيطانا مريدا) الى قوله: (فليبتكن آذان الانعام).
[2298]:|36/ يس/ 60| (... انه لكم عدو مبين60).
[2299]:|34/ سبأ/ 41| ونصها: '(قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون41).