المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞لَيۡسُواْ سَوَآءٗۗ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ أُمَّةٞ قَآئِمَةٞ يَتۡلُونَ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ وَهُمۡ يَسۡجُدُونَ} (113)

113- وإن أهل الكتاب ليسوا متساوين ، فإن منهم جماعة مستقيمة عادلة يقرءون كتاب الله في ساعات الليل وهم يصلون .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞لَيۡسُواْ سَوَآءٗۗ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ أُمَّةٞ قَآئِمَةٞ يَتۡلُونَ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ وَهُمۡ يَسۡجُدُونَ} (113)

قوله تعالى : { ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة } . قال ابن عباس رضي الله عنهما ومقاتل : لما آمن عبد الله بن سلام وأصحابه ، قالت أحبار اليهود : ما آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم إلا شرارنا ولولا ذلك لما تركوا دين آبائهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . واختلفوا في وجهها فقال قوم : فيه اختصار تقديره : ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة وأخرى غير قائمة ، فترك الأخرى اكتفاء بذكر احد الفريقين ، وقال الآخرون : تمام الكلام عند قوله ليسوا سواء . وهو وقف ، لأنه قد جرى ذكر الفريقين من أهل الكتاب في قوله تعالى : ( منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ) ثم قال : { ليسوا سواءً } ، يعني : المؤمنين والفاسقين ثم وصف الفاسقين ، فقال ( لن يضروكم إلا أذى ) ووصف المؤمنين بقوله : { أمة قائمة } . وقيل : قوله { من أهل الكتاب } ، ابتداء كلام آخر ، لأن ذكر الفريقين قد جرى ، ثم قال : ليس هذا الفريقان سواءً ثم ابتدأ فقال :{ من أهل الكتاب } . قال ابن مسعود رضي الله عنه : لا يستوي اليهود وأمة محمد صلى الله عليه وسلم القائمة بأمر الله ، الثابتة على الحق ، المستقيمة ، وقوله تعالى { أمة قائمة } قال ابن عباس : أي مهتدية ، قائمة على أمر الله لم يضيعوه ، ولم يتركوه . وقال مجاهد : عادلة . وقال السدي : مطيعة ، قائمة على كتاب الله وحده ، وقيل : قائمة في الصلاة وقيل : الأمة الطريقة . ومعنى الآية : أي ذوو أمة ، أي : ذو طريقة مستقيمة .

قوله تعالى : { يتلون آيات الله } . يقرؤون كتاب الله ، وقال مجاهد : يتبعون .

قوله تعالى : { آناء الليل } . ساعاته ، واحدها إني مثل : نحى وأنحاء ، وإني وآناء مثل : معي وأمعاء ، وأنى مثل منا وأمناء .

قوله تعالى : { وهم يسجدون } . أي : يصلون . لأن التلاوة لا تكون في السجود . واختلفوا في معناها ، فقال بعضهم : هي في قيام الليل ، وقال ابن مسعود : هي صلاة العتمة يصلونها ولا يصليها من سواهم من أهل الكتاب . وقال عطاء : { ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة } الآية يريد أربعين رجلاً من أهل نجران من العرب ، واثنين وثلاثين من الحبشة ، وثمانية من الروم ، كانوا على دين عيسى وصدقوا محمداً صلى الله عليه وسلم ، وكان من الأنصار منهم عدة قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم ، منهم أسعد بن زرارة ، والبراء بن معرور ، ومحمد بن سلمة ، وأبو قيس صرمة بن انس ، كانوا موحدين يغتسلون من الجنابة ، ويقومون بما عرفوا من شرائع الحنيفية ، حتى جاءهم الله تعالى بالنبي صلى الله عليه وسلم فصدقوه ونصروه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞لَيۡسُواْ سَوَآءٗۗ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ أُمَّةٞ قَآئِمَةٞ يَتۡلُونَ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ وَهُمۡ يَسۡجُدُونَ} (113)

93

ثم يقول ! وإنصافا للقلة الخيرة من أهل الكتاب ، يعود السياق عليهم بالاستثناء ، فيقرر أن أهل الكتاب ليسوا كلهم سواء . ( ليسوا سواء . من أهل الكتاب أمة قائمة ، يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون . )

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞لَيۡسُواْ سَوَآءٗۗ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ أُمَّةٞ قَآئِمَةٞ يَتۡلُونَ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ وَهُمۡ يَسۡجُدُونَ} (113)

لما مضت الضمائر في الكفر والقتل والعصيان والاعتداء عامة في جميع أهل الكتاب ، عقب ذلك بتخصيص الذين هم على خير وإيمان ، وذلك أن أهل الكتاب لم يزل فيهم من هو على استقامة ، فمنهم من مات قبل أن يدرك الشرائع فذلك من الصالحين ، ومنهم من أدرك الإسلام فدخل فيه .

قال القاضي أبو محمد : ويعترض هذا النظر أن جميع اليهود على عوج من وقت عيسى ، وتجيء الآية إشارة إلى من أسلم فقط ، أو يكون اليهود في معنى الأمة القائمة إلى وقت عيسى ، ثم ينتقل الحكم في النصارى ، ولفظ { أهل الكتاب } يعم الجميع ، والضمير في { ليسوا } لمن تقدم ذكره في قوله { منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون } [ آل عمران : 110 ] وما قال أبو عبيدة من أن الآية نظيرة قول العرب أكلوني البراغيث خطأ مردود{[3434]} ، وكذلك أيضاً ما حكي عن الفراء أن { أمة } مرتفعة ب { سواء } على أنها فاعلة كأنه قال : لا تستوي أمة كذا وإن في آخر الكلام محذوفاً معادلاً تقديره وأمة كافرة ، فأغنى القسم الأول عن ذكرها ودل عليه كما قال أبو ذؤيب :

عَصَيْتُ إليْها الْقَلْبَ إنّي لأَمْرِها . . . سَمِيعٌ فما أدري أَرُشْدٌ طِلابُها{[3435]} ؟

المعنى أم غيّ ، فاقتصر لدلالة ما ذكر عليه .

قال القاضي أبو محمد : وإنما الوجه أن الضمير في { ليسوا } يراد به من تقدم ذكره ، و { سواء } خبر ليس ، و { من أهل الكتاب } مجرور فيه خبر مقدم ، و { أمة } رفع بالابتداء قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعية وأسيد{[3436]} بن سعية وأسد بن عبيد{[3437]} ومن أسلم من اليهود ، معهم ، قال الكفار من أحبار اليهود ما آمن بمحمد إلا شرارنا ولو كانوا خياراً ما تركوا دين آبائهم ، فأنزل الله تعالى في ذلك { ليسوا سواء } الآية ، وقال مثله قتادة وابن جريج .

قال القاضي أبو محمد : وهو أصح التأويلات ، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : معنى الآية : ليس اليهود وأمة محمد سواء ، وقاله السدي .

قال القاضي أبو محمد : فمن حيث تقدم ذكر هذه الآمة في قوله { كنتم خير أمة } [ آل عمران : 110 ] وذكر أيضاً اليهود قال الله لنبيه { ليسوا سواء } و { الكتاب } على هذا جنس كتب الله وليس بالمعهود من التوراة والإنجيل فقط ، والمعنى : { من أهل الكتاب } وهم أهل القرآن أمة قائمة : واختلفت عبارة المفسرين في قوله { قائمة } فقال مجاهد : معناه عادلة ، وقال قتادة والربيع وابن عباس : معناه قائمة على كتاب الله وحدوده مهتدية ، وقال السدي : القائمة القانتة المطيعة .

قال القاضي أبو محمد : وهذا كله يرجع إلى معنى واحد من الاعتدال على أمر الله ، ومنه قيل للدنانير أو الدراهم الوازنة قائمة وهذه الآية تحتمل هذا المعنى وأن لا تنظر اللفظة إلى هيئة الأشخاص وقت تلاوة آيات الله ، ويحتمل أن يراد ب { قائمة } وصف حال التالين في { آناء الليل } ، ومن كانت هذه حاله فلا محالة أنه معتدل على أمر الله ، وهذه الآية في هذين الاحتمالين مثل ما تقدم في قوله :

{ إلا ما دمت عليه قائماً }{[3438]} و { يتلون } معناه : يسردون ، و { آيات الله } في هذه الآية هي كتبه ، و «الآناء » : الساعات واحدها «إني » بكسر الهمزة وسكون النون ، ويقال فيه «أني » بفتح الهمزة ، ويقال «إنَى » بكسر الهمزة وفتح النون والقصر ، ويقال فيه «أنى » بفتح الهمزة ويقال «إِنْو » بكسر الهمزة وسكون النون وبواو مضمومة ومنه قول الهذيلي : [ البسط ]

حُلْوٌ وَمُرٌّ كَعَطْفِ الْقدْحِ مِرَّتهُ . . . في كلُّ إنيٍ قضاه الليل ينتعل{[3439]}

وحكم هذه الآية لا يتفق في شخص بأن يكون كل واحد يصلي جميع ساعات الليل وإنما يقوم هذا الحكم من جماعة الأمة ، إذا بعض الناس يقوم أول الليل ، وبعضهم آخره ، وبعضهم بعد هجعة ثم يعود إلى نومه ، فيأتي من مجموع ذلك في المدن والجماعات عبارة { آناء الليل } بالقيام ، وهكذا كان صدر هذه الأمة ، وعرف الناس القيام في أول الثلث الآخر من الليل أو قبله بشيء ، وحينئذ كان يقوم الأكثر ، والقيام طول الليل قليل وقد كان في الصالحين من يلتزمه ، وقد ذكر الله تعالى القصد من ذلك في سورة المزمل ، وقيام الليل لقراءة العلم المبتغى به وجه الله داخل في هذه الآية ، وهو أفضل من التنفل لمن يرجى انتفاع المسلمين بعلمه ، وأما عبارة المفسرين في { آناء الليل } ، فقال الربيع وقتادة وغيرهما : { آناء الليل } ساعات الليل ، وقال عبد الله بن كثير : سمعنا العرب تقول { آناء الليل } ساعات الليل ، وقال السدي : { آناء الليل } جوف الليل .

قال القاضي أبو محمد : وهذا قلق ، أما ان جوف الليل جزء من الآناء ، وقال ابن مسعود : نزلت هذه الآية بسبب أن النبي صلى الله عليه وسلم احتبس عنا ليلة عن صلاة العشاء وكان عند بعض نسائه فلم يأت حتى مضى ليل ، فجاء ومنا المصلي ومنا المضطجع ، فقال : ( أبشروا فإنه ليس أحد من أهل الكتاب يصلي هذه الصلاة ) {[3440]} ، فأنزل الله تعالى : { ليسوا سواء } الآية ، فالمراد بقوله : { يتلون آيات الله آناء الليل } صلاة العشاء ، وروى سفيان الثوري عن منصور{[3441]} أنه قال : بلغني أن هذه الآية نزلت في المصلين بين العشاءين وقوله تعالى : { وهم يسجدون } ذهب بعض الناس إلى أن السجود هنا عبارة عن الصلاة ، سماها بجزء شريف منها كما تسمى في كثير من المواضع ركوعاً ، فهي على هذا جملة في موضع الحال ، كأنه قال : يتلون آيات الله آناء الليل مصلين ، وذهب الطبري وغيره إلى أنها جملة مقطوعة من الكلام الأول ، أخبر عنهم أنهم أيضاً أهل سجود .

قال القاضي أبو محمد : ويحسن هذا من جهة أن التلاوة آناء الليل قد يعتقد السامع أن ذلك في غير الصلاة ، وأيضاً فالقيام في قراءة العلم يخرج من الآية على التأويل الأول ، وثبت فيها على هذا الثاني ف { هم يسجدون } على هذا نعت عدد بواو العطف ، كما تقول : جاءني زيد الكريم والعاقل .


[3434]:- ذهب أبو عبيدة إلى أن الواو في [ليسوا] علامة جمع لا ضمير – مثل في ذلك قول الشاعر: يلومونني في شراء النخيـ ـل قومي، وكلهم ألوم واسم (ليس) هو: (أمة قائمة)- أي: ليس سواء من أهل الكتاب أمة قائمة موصوفة بما ذكر وأمة كافرة. قال أبو (حيان) في البحر المحيط: "إن ابن عطية توهم أن اسم (ليس) هو (أمة قائمة) فقط، وأنه لا محذوف- فإذا عرف أن ليس الغرض تفاوت الأمة القائمة التالية وإذا قدر ثم محذوف لم يكن قول أبي عبيدة خطأ مردودا".
[3435]:- البيت لأبي ذؤيب الهذلي أنشده ابن هشام في المغني وروايته: دعاني إليها القلب إني لأمره سميع.......................... ورواه النيسابوري في تفسيره بهذا اللفظ: دعاني إليها القلب إني لأمره مطيع ومعنى البيت على ما في ديوان الهذليين: عصاني إليها: أي خطر إليها قلبي وذهب إليها، فما أدري أرشد الذي وقعت فيه أم غي؟ وقال غيره: أراك فما أدري أهم ضممته وذو الهم قدما خاشع متضائل والتقدير: أم غيره. قال الفراء: لأن المساواة تقتضي شيئين، وذلك واضح في قوله تعالى: [سواء العاكف فيه والباد]. [سواء محياهم ومماتهم].
[3436]:-أسيد بن سعية بن عريض القرظي أحد من أسلم من اليهود، نزل هو وأخوه ثعلبة بن سعية في الليلة التي في صبيحتها نزل بنو قريظة على حكم سعد بن معاذ ومعهما أسيد بن عبيد القرظي فأسلموا وأحرزوا دماءهم وأموالهم. "الإصابة 1/33". و"الاستيعاب 1/56".
[3437]:-أسد بن عبيد القرظي ذكره ابن حبان في الصحابة وهو أحد من أسلم من اليهود مع أسيد بن سعية، وثعلبة بن سعية وغيرهما، وفيهم قالت اليهود لما أسلموا: ما أتى محمدا إلا شرارنا، فأنزل الله فيهم: [ليسوا سواء من أهل الكتاب] الآية "الإصابة 1/33].
[3438]:- تقدمت في سورة آل عمران، في الآية: 75.
[3439]:- المتنخل لقبه، واسمه: مالك بن عويمر بن سويد، وقيل: بن عويمر بن عثمان، ويكنى أبا أثيلة، جاهلي من شعراء هذيل وفحولهم وفصحائهم. "الأغاني 20/145". و"خزانة الأدب 2/137". والبيت من قصيدة قالها في ابنه أثيلة يرثيه. ورواية البيت في الديوان وفي كتاب الشعر والشعراء: في كل أني حذاء الليل ينتعل. ورواية الأغاني: في كل آن أتاه، والقدح: السهم. المرة: الشدة والقوة. إني واحد الآناء، وهي الساعات. وينتعل: يسري في كل ساعة من هدايته.
[3440]:- أخرجه أحمد، والنسائي، والبزار، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني. قال السيوطي: بسند حسن عن ابن مسعود قال: (أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ليلة) الحديث. ولفظ ابن جرير، والطبراني قال: (إنه لا يصلي هذه الصلاة) الحديث. "فتح القدير للشوكاني 1/ 342".
[3441]:- هو منصور بن المعتمر بن عبد الله أبو عتاب السلمي الكوفي، روى عن أبي وائل، وإبراهيم النخعي، والحسن البصري، وخلق، وروى عنه أيوب، وحصين بن عبد الرحمان، والثوري، وابن عيينة، وآخرون، كان أثبت أهل الكوفة، صام ستين سنة وقامها، توفي سنة 132هـ. "تهذيب التهذيب 10/312".
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{۞لَيۡسُواْ سَوَآءٗۗ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ أُمَّةٞ قَآئِمَةٞ يَتۡلُونَ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ وَهُمۡ يَسۡجُدُونَ} (113)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يعني بقوله جلّ ثناؤه: {لَيْسُوا سَوَاءً} ليس فريقا أهل الكتاب، أهل الإيمان منهم والكفر سواء، يعني بذلك: أنهم غير متساوين، يقول: ليسوا متعادلين، ولكنهم متفاوتون في الصلاح والفساد والخير والشرّ. وإنما قيل: ليسوا سواء، لأن فيه ذكر الفريقين من أهل الكتاب اللذين ذكرهما الله في قوله: {وَلَوْ آمَنَ أهْلُ الكِتابِ لَكانَ خَيْرَا لَهُمْ مِنْهُمُ المُؤْمِنُونَ وأكْثَرُهُمُ الفاسِقُونَ} ثم أخبر جلّ ثناؤه عن حال الفريقين عنده، المؤمنة منهما والكافرة، فقال: {لَيْسُوا سَوَاء}: أي ليس هؤلاء سواء، المؤمنون منهم والكافرون. ثم ابتدأ الخبر جلّ ثناؤه عن صفة الفرقة المؤمنة من أهل الكتاب ومدحهم، وأثنى عليهم بعد ما وصف الفرقة الفاسقة منهم بما وصفها به من الهلع ونَخْب الجَنان، ومحالفة الذلّ والصغار، وملازمة الفاقة والمسكنة، وتحمل خزي الدنيا وفضيحة الاَخرة، فقال: {مِنْ أهْلِ الكِتابِ أُمّةٌ قائمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللّهِ آناءَ اللّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ}... الآيات الثلاث، إلى قوله: {واللّهُ عَلِيمٌ بالمُتّقِينَ}...

وقد ذكر أن قوله: {مِنْ أهْل الكِتاب أُمّةٌ قائمَةٌ}... الآيات الثلاث، نزلت في جماعة من اليهود أسلموا، فحسن إسلامهم...

وقال آخرون: معنى ذلك: ليس أهل الكتاب وأمة محمد القائمة بحقّ الله سواء عند الله...

ويعني جلّ ثناؤه بقوله: {أُمّةٌ قائمَةٌ}: جماعة ثابتة على الحقّ... وأما القائمة، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معناها: العادلة... وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنها قائمة على كتاب الله وما أمر به فيه... وقال آخرون: بل معنى قائمة: مطيعة...

وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل ذلك ما قاله ابن عباس وقتادة، ومن قال بقولهما على ما روينا عنهم، وإن كان سائر الأقوال الأخر متقاربة المعنى من معنى ما قاله ابن عباس وقتادة في ذلك. وذلك أن معنى قوله: {قائمةٌ} مستقيمة على الهدى، وكتاب الله وفرائضه، وشرائع دينه، بالعدل والطاعة، وغير ذلك من أسباب الخير من صفة أهل الاستقامة على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ونظير ذلك الخبر الذي رواه النعمان بن بشير، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَثَلُ القائِمِ على حُدُودِ اللّهِ وَالوَاقِعِ فِيها، كَمَثَلِ قَوْمٍ رَكِبُوا سَفِينَةً، ثُمّ ضَرَبَ لهُمْ مَثَلاً» فالقائمُ على حُدُودِ اللّهِ هُوَ الثّابِت عَلى التّمَسّكِ بِما أمَرَهُ اللّهُ بهِ وَاجْتِنابِ ما نَهاهُ اللّهُ عَنْهُ.

فتأويل الكلام: من أهل الكتاب جماعة معتصمة بكتاب الله، متمسكة به، ثابتة على العمل بما فيه، وما سنّ له رسوله صلى الله عليه وسلم. القول في تأويل قوله تعالى: {يَتْلُونَ آياتِ اللّهِ آناءَ اللّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ}. يعني بقوله: {يَتْلُونَ آياتِ اللّهِ}: يقرءون كتاب الله آناء الليل، ويعني بقوله: {آياتِ اللّهِ}: ما أنزل في كتابه من العبر والمواعظ، يقول: يتلون ذلك آناء الليل، يقول: في ساعات الليل، فيتدبرونه ويتفكرون فيه. وأما {آناءَ اللّيْلِ}: فساعات الليل، واحدها: إِنْيٌ...

واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: تأويله: ساعات الليل، كما قلنا...وقال آخرون {آناءَ اللّيْلِ}: جوف الليل... وقال آخرون: بل عني بذلك قوم كانوا يصلون العشاء الأخيرة...

وقال آخرون: بل عني بذلك قوم كانوا يصلون فيما بين المغرب والعشاء...

وهذه الأقوال التي ذكرتها على اختلافها متقاربة المعاني، وذلك أن الله تعالى ذكره، وصف هؤلاء القوم، بأنهم يتلون آيات الله في ساعات الليل، وهي آناؤه، وقد يكون تاليها في صلاة العشاء تاليا لها آناء الليل، وكذلك من تلاها فيما بين المغرب والعشاء، ومن تلاها جوف الليل، فكلّ تال له ساعات الليل. غير أن أولى الأقوال بتأويل الآية، قول من قال: عني بذلك: تلاوة القرآن في صلاة العشاء، لأنها صلاة لا يصليها أحد من أهل الكتاب، فوصف الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأنهم يصلونها دون أهل الكتاب الذين كفروا بالله ورسوله. وأما قوله: {وَهُمْ يَسْجُدُونَ} فإن بعض أهل العربية زعم أن معنى السجود في هذا الموضع اسم الصلاة لا السجود، لأن التلاوة لا تكون في السجود ولا في الركوع، فكان معنى الكلام عنده: يتلون آيات الله آناء الليل وهم يصلون، وليس المعنى على ما ذهب إليه، وإنما معنى الكلام: من أهل الكتاب أمة قائمة، يتلون آيات الله آناء الليل في صلاتهم، وهم مع ذلك يسجدون فيها، فالسجود هو السجود المعروف في الصلاة.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

لما مضت الضمائر في الكفر والقتل والعصيان والاعتداء عامة في جميع أهل الكتاب، عقب ذلك بتخصيص الذين هم على خير وإيمان، وذلك أن أهل الكتاب لم يزل فيهم من هو على استقامة، فمنهم من مات قبل أن يدرك الشرائع فذلك من الصالحين، ومنهم من أدرك الإسلام فدخل فيه. قال القاضي أبو محمد: ويعترض هذا النظر أن جميع اليهود على عوج من وقت عيسى، وتجيء الآية إشارة إلى من أسلم فقط، أو يكون اليهود في معنى الأمة القائمة إلى وقت عيسى، ثم ينتقل الحكم في النصارى، ولفظ {أهل الكتاب} يعم الجميع، والضمير في {ليسوا} لمن تقدم ذكره في قوله {منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون} [آل عمران: 110]...

فمن حيث تقدم ذكر هذه الآمة في قوله {كنتم خير أمة} [آل عمران: 110] وذكر أيضاً اليهود قال الله لنبيه {ليسوا سواء} و {الكتاب} على هذا جنس كتب الله وليس بالمعهود من التوراة والإنجيل فقط، والمعنى: {من أهل الكتاب} وهم أهل القرآن أمة قائمة...

وحكم هذه الآية لا يتفق في شخص بأن يكون كل واحد يصلي جميع ساعات الليل وإنما يقوم هذا الحكم من جماعة الأمة، إذ بعض الناس يقوم أول الليل، وبعضهم آخره، وبعضهم بعد هجعة ثم يعود إلى نومه، فيأتي من مجموع ذلك في المدن والجماعات عبارة {آناء الليل} بالقيام، وهكذا كان صدر هذه الأمة، وعرف الناس القيام في أول الثلث الآخر من الليل أو قبله بشيء، وحينئذ كان يقوم الأكثر، والقيام طول الليل قليل وقد كان في الصالحين من يلتزمه، وقد ذكر الله تعالى القصد من ذلك في سورة المزمل، وقيام الليل لقراءة العلم المبتغى به وجه الله داخل في هذه الآية، وهو أفضل من التنفل لمن يرجى انتفاع المسلمين بعلمه...

أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :

قال ابنُ وهب: قال مالك: يعني قائمة بالحق، يريد قَوْلاً وفعلاً؛ فيعودُ الكلام إلى الآية المتقدمة: {ولْتكن منكم أمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ}.

وقد اتّفق المفسِّرون أنها نزلت فيمن أسلم من أهْل الكتاب، وعليه يَدُلُّ ظاهرُ القرآن؛ ومفتتح الكلام نَفْيُ المساواة بين مَنْ أسلم منهم وبين مَنْ بَقِيَ منهم على الكفر، إلاّ أنه رُوي عن ابن مسعود أنَّ معناه نفْيُ المساواة بين أهل الكتاب وأمة محمد صلى الله عليه وسلم.

وقد رُوي عن ابن عباس أنها نزلَتْ في عبدالله بن سلام ومَنْ أسلم معه من أهل الكتاب.

وقوله: {لَيْسُوا سَوَاءً} تمامُ كلام، ثم ابتدأ الكلامَ بوصْفِ المؤمنين بالإيمان والقرآن والصلاة؛ وهذه الخصالُ هي من شعائر الإسلام، لاسيما الصلاة وخاصة في الليل وَقْتَ الراحة.

وقيل: إنها الصلاة مطلقاً. وقيل: إنها صلاة المغرب والعشاء الآخرة.

قال ابنُ مسعود: خرج النبيُّ صلى الله عليه وسلم ليلةً وقد أخَّر الصلاة فمنَّا المضطجع. ومنا المصلي؛ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إنه لا يصلي أحدٌ من أهل الأرض هذه الصلاة غيركم».

والصحيحُ أنه في الصلاة مطلقاً. وعن أبي موسى عنه عليه السلام: «ما مِنْ أحد من الناس يُصَلِّي هذه الساعة غيركم». وهذه في العَتَمة تأكيدٌ للتخصيص وتبيين للتفضيل.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

لما قال: {من أهل الكتاب أمة قائمة} كان تمام الكلام أن يقال: ومنهم أمة مذمومة، إلا أنه أضمر ذكر الأمة المذمومة على مذهب العرب من أن ذكر أحد الضدين يغني عن ذكر الضد الآخر وتحقيقه أن الضدين يعلمان معا، فذكر أحدهما يستقل بإفادة العلم بهما، فلا جرم يحسن إهمال الضد الآخر...

أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :

{يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون} يتلون القرآن في تهجدهم. عبر عنه بالتلاوة في ساعات الليل مع السجود ليكون أبين وأبلغ في المدح.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان السياق ربما أفهم أنهم كلهم كذلك قال مستأنفاً نافياً لذلك: {ليسوا سوآء} أي في هذه الأفعال، يثني سبحانه وتعالى على من أقبل على الحق منهم وخلع الباطل ولم يراع سلفاً ولا خلفاً بعيداً ولا قريباً. ثم استأنف قوله بياناً لعدم استوائهم: {من أهل الكتاب} فأظهر لئلا يتوهم عود الضمير على خصوص من حكم بتكفيرهم {أمة} أي جماعة يحق لها أن تؤم {قائمة} أي مستقيمة على ما أتاها به نبيها في الثبات على ما شرعه، متهيئة بالقيام للانتقال عنه عند مجيء الناسخ الذي بشر به ووصفه. غير زائغة بالإيمان ببعضه والكفر ببعضه. ثم ذكر الحامل على الاستقامة فقال: {يتلون} أي يتابعون مستمرين {آيات الله} أي علامات ذي الجلال والإكرام المنزلة الباهرة التي لا لبس فيها {آناء الليل} أي ساعاته {وهم يسجدون} أي يصلون في غاية الخضوع...

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

المرادُ بنفي المساواةِ نفيُ المشاركةِ في أصل الاتصافِ بالقبائح المذكورةِ لا نفيُ المساواةِ في مراتب الاتصافِ بها مع تحقق المشاركة في أصل الاتصافِ بها أي ليس جميعُ أهل الكتابِ متشاركين في الاتصاف بما ذُكر من القبائح والابتلاءِ بما يترتب عليها من العقوبات وقوله تعالى: {منْ أَهْلِ الكتاب أُمَّةٌ قَائِمَةٌ} استئنافٌ مبينٌ لكيفية عدمِ تساويهم، ومزيل لما فيه من الإبهام... وإيرادُ الجملةِ اسميةً للدَلالة على الاستمرار، وتكريرُ الإسنادِ لتقوية الحكمِ وتأكيدِه، وصيغةُ المضارعِ للدِلالة على التجدد...، وقيل: هي مستأنفةٌ والمعنى أنهم يقومون تارةً ويسجدون أخرى يبتغون الفضلَ والرحمةَ بأنواع ما يكون في الصلاة من الخضوع لله عز وجل كما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبّهِمْ سُجَّداً وقياما} [الفرقان، الآية 64]...

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

ولما بين وصف فاسقيهم كان من العدل الإلهي أن يبين وصف مؤمنيهم، ولذلك قال: (من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون)... قال الأستاذ الإمام: هذه الآية من العدل الإلهي في بيان حقيقة الواقع وإزالة الإيهام السابق، وهي دليل على أن دين الله واحد على ألسنة جميع الأنبياء، وأن كل من أخذه بإذعان، وعمل فيه بإخلاص، فأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، فهو من الصالحين. وفي هذا العدل قطع لاحتجاج أهل الكتاب الذين يعرفون من أنفسهم الإيمان والإخلاص في العمل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- يعني الأستاذ أنه لولا مثل هذا النص لكان لهم أن يقولوا: لو كان هذا القرآن من عند الله لما ساوانا بغيرنا من الفاسقين ونحن مؤمنون به مخلصون له- وفيه استمالة لهم وتناهٍ عن التفرقة بين الأمم والملل التي لم يكن يعترف فيها أحد الفريقين بفضيلة ولا مزية للآخر، كأنه بمجرد مخالفته له في بعض الأشياء- وإن كان معذورا- تتبدل حسناته سيئات... ثم إنه ذكر اختلاف المفسرين في قوله: (قائمة) ورجح أن معناها موجودة ثابتة على الحق، قال: وفي ذلك تعريض بالمنحرفين عن الحق بأنهم لا يعدون من أهل الوجود وإنما حكمهم حكم العدم...

أما قوله تعالى: (يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون) فمعناه على القول بأن المراد بهم من دخل في الإسلام ظاهر، وعلى القول الآخر المختار أنهم يتلون ما عندهم من مناجاة الله ودعائه له والثناء عليه عز وجل وهي كثيرة في كتبهم...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

جملة {من أهل الكتاب أمة قائمة...} مبيّنة لإبهام {ليسوا سواء} والإظهار في مقام الإضمار للاهتمام بهؤلاء الأمة، فلأمّة هنا بمعنى الفريق. وإطلاق أهل الكتاب عليهم مجاز باعتبار ما كان كقوله تعالى: {وآتوا اليتامى أموالهم} [النساء: 2] لأنهم صاروا من المسلمين. وعدل عن أن يقال: منهم أمَّة قائمة إلى قوله من أهل الكتاب: ليكون ذا الثناء شاملاً لصالحي اليهود، وصالحي النَّصارى، فلا يختصّ بصالحي اليهود، فإن صالحي اليهود قبل بعثة عيسى كانوا متمسّكين بدينهم، مستقيمين عليه، ومنهم الَّذين آمنوا بعيسى واتّبعوه، وكذلك صالحو النَّصارى قبل بعثة محمّد صلى الله عليه وسلم كانوا مستقيمين على شريعة عيسى وكثير منهم أهل تهجَّد في الأديرة والصّوامع وقد صاروا مسلمين بعد البعثة المحمدية...

ومعنى قائمة أنه تمثيل للعمل بدينها على الوجه الحقّ...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

هذا من إنصاف القرآن، فهو لا يعمم حكمه إلا حيث يكون التعميم هو الحق الذي لا شك فيه، وإن كان في قوم من هم جديرون بالثناء ذكرهم، وكذلك كان الشأن في ذكر أهل الكتاب... {ليسوا سواء}. أي ليسوا متساوين في هذه العمال وتلك الأخلاق، أو ليسوا متساوين مطلقا، فليسوا جميعا أشرارا. وإن الله سبحانه وتعالى لم يخلق طائفة كبيرة من الناس اجتمعت على الشر اجتماعا مطلقا، بحيث يرتضيه الجميع ويقصدونه ويريدونه ويبتغونه عامدين مريدين معتدين، بل إن منهم الضال، ومنهم المضل، ومنهم الناطق بالحق الذي لا يجد داعيا، أو يحمل على السكوت في وسط نكران الضالين، ففي وسط طغيان فرعون، وانقماع قومه في إرادته، وجد مؤمن آل فرعون، ينطق فيهم قائلا كما حكى الله تعالى عنه: {وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم عن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب28 يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد29} [غافر]... {من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون} أي من أهل الكتاب الذين ذكرنا أوصاف الكثرة منهم- طائفة تؤم وتقصد موجودة حاضرة ليست ماضية خالية، فمعنى قائمة على هذا موجودة... ومعنى يسجدون أي يخضعون ويتضامنون للحق ولا يجحدون، ويتجهون إلى ربهم. يرجون رضاه، ولا يستكبرون عن نداء الحق إذا دعوا، فكنى بالسجود عن الخضوع المطلق الذي يعد السجود مظهره... وقد ذكر ذلك الوصف مصدرا ب"هم" إذ يقول: وهم يسجدون، فلم يقل ويسجدون؛ للإشارة إلى أن الخضوع والإذعان للحق شأن من شئونهم،وليس حالا تعرض لهم، إذ إن ذكر الضمير فيه تقوية الإسناد وتوثيق لدوامه واستمراره...

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

يبتدئ هذا الربع من سورة آل عمران بوصف طائفة من أهل الكتاب لم تسلك مسلك العناد والجحود الذي سلكته بقية الطوائف، بل انفصلت عنها انفصالا تاما، وتنازلت عما كانت تعيش عليه من الأساطير والأوهام، وآمنت عن اقتناع وإخلاص برسالة الإسلام، ولم تلبث هذه الطائفة أن وجدت في دين الإسلام الحق ما يستجيب لرغباتها، ويستثمر جميع طاقاتها فرديا واجتماعيا، فمن تلاوة لكتاب الله تلاوة تدبر واعتبار، ولا سيما في لحظات السكون والهدوء خلال فترات الليل، ومن عبادة الله ومناجاة مقامه الأقدس، ومن أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، قياما بنشر الدعوة الإسلامية، ومساهمة في إصلاح المجتمع، وتطبيقا للمنهج الإسلامي على الحياة اليومية التي يحياها الناس، ومن قيام بأعمال البر وتسابق على مساعي الخير على اختلاف وجوهها، وذلك قوله تعالى في وصف هذه الطائفة تنويها بها، وتقديرا لموقفها...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

الإسلام وخصيصة البحث عن الحقّ:

بعد كلّ ذلك الذم لليهود، الذي تضمنته الآيات السابقة بسبب مواقفهم المشينة وأفعالهم الذميمة نجد القرآن كما هو شأنه دائماً يراعي جانب العدل والإنصاف، فيحترم كلّ من تنزه عن ذلك السلوك الذميم الذي سار عليه اليهود، ويعلن بصراحة أنه لا يعمم ذلك الحكم، وإنه لا يمكن النظر إلى الجميع بنظرة واحدة دون التفريق بين من أقام على تلك الفعال، وبين من غادرها وطلب الحقّ، ولهذا يقول: (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون). أجل ليس أهل الكتاب سواء، فهناك جماعة تطيع الله وتخافه، وتؤمن به وتهابه، وتؤمن بالآخرة وتعمل لها، وتقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وبهذا يتورع القرآن الكريم عن إدانة العنصر اليهودي كافة، بل يركز على أفعالهم وأعمالهم وممارساتهم، ويحترم ويمدح كلّ من انفصل عن أكثريتهم الفاسدة، وخضع للحقّ والإيمان، وهذا هو أُسلوب الإسلام الذي لا يعادي أحداً على أساس اللون والعنصر، بل إنما يعاديه على أساس اعتقادي محض، ويكافحه إذا كانت أعماله لا تنطبق مع الحقّ والعدل والخير، لا غير...