المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَقُلۡ أَنذَرۡتُكُمۡ صَٰعِقَةٗ مِّثۡلَ صَٰعِقَةِ عَادٖ وَثَمُودَ} (13)

13- فإن أعرض المشركون عن الإيمان بعد وضوح دلائله فقل لهم - أيها الرسول - : خوفتكم عذاباً شديد الوقع كالصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَقُلۡ أَنذَرۡتُكُمۡ صَٰعِقَةٗ مِّثۡلَ صَٰعِقَةِ عَادٖ وَثَمُودَ} (13)

قوله عز وجل{ فإن أعرضوا } يعني : هؤلاء المشركين عن الإيمان بعد هذا البيان ، { فقل أنذرتكم } خوفتكم ، { صاعقةً مثل صاعقة عاد وثمود } يعني : هلاكاً مثل هلاكهم ، والصاعقة المهلكة من كل شيء .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَقُلۡ أَنذَرۡتُكُمۡ صَٰعِقَةٗ مِّثۡلَ صَٰعِقَةِ عَادٖ وَثَمُودَ} (13)

فكيف - بعد هذه الجولة الكونية الهائلة - يكون موقف الذين يكفرون بالله ويجعلون له أنداداً ? كيف . والسماء والأرض تقولان لربهما : ( أتينا طائعين )وهذا النمل الصغير العاجز من البشر الذي يدب على الأرض يكفر بالله في تبجح واستهتار ?

وما يكون جزاء هذا التبجح وهذا الاستهتار ?

( فإن أعرضوا فقل : أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود . إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله . قالوا : لو شاء ربنا لأنزل ملائكة ، فإنا بما أرسلتم به كافرون . فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق ، وقالوا : من أشد منا قوة ? أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ? وكانوا بآياتنا يجحدون . فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ، ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون . وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ، فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون . ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون . . )

وهذا الإنذار المرهوب المخيف : ( فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود )يناسب شناعة الجرم وقبح الذنب ، وتبجح المشركين الذي حُكي في مطلع السورة ، وشذوذ كفار البشر من موكب الوجود الكبير الذي عُرض قبل هذا الإنذار .

وقد روى ابن إسحاق قصة عن هذا الإنذار قال : حدثني يزيد بن زياد ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال : حدثت أن عتبة بن ربيعة ، وكان سيداً ، قال يوماً وهو جالس في نادي قريش ، ورسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] جالس في المسجد وحده : يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أموراً لعله أن يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنا ? - وذلك حين اسلم حمزة - رضي الله عنه - ورأوا أصحاب رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يزيدون ويكثرون - فقالوا : بلى يا أبا الوليد فقم إليه فكلمه . فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فقال : يابن أخي . إنك منا حيث علمت من البسطة في العشيرة والمكان في النسب وأنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم ، وسفهت أحلامهم ، وعبت به آلهتهم ودينهم ، وكفرت به من مضى من آبائهم . فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها ، لعلك تقبل منها بعضها . قال : فقال له رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " قل يا ابا الوليد أسمع " . قال : يابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً ؛ وإن كنت تريد به شرفاً سودناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك ؛ وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا ؛ وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الأطباء ، وبذلنا فيها أموالنا حتى نبرئك منه ، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه . . أو كما قال . . حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يستمع منه قال : " أفرغت يا أبا الوليد ? " قال : نعم . قال : " فاستمع مني " . قال : أفعل . قال : بسم الله الرحمن الرحيم . حم . تنزيل من الرحمن الرحيم . كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون ، بشيراً ونذيراً فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون ثم مضى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فيها وهو يقرؤها عليه . فلما سمع عتبة أنصت لها ، وألقى يديه خلف ظهره ، معتمداً عليهما ، يستمع منه حتى انتهى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إلى السجدة منها فسجد ، ثم قال : " قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك " فقام عتبة إلى أصحابه ، فقال بعضهم لبعض : نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به . فلما جلس إليهم قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد ? قال : ورائي أني سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط . والله ما هو بالسحر ، ولا بالشعر ، ولا بالكهانة . يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها لي . . خلوا بين الرجل وبين ما هو فيه ، فاعتزلوه ، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم ، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم ، وعزه عزكم ، وكنتم أسعد الناس به . قالوا : سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه ! قال : هذا رأيي فاصنعوا ما بدا لكم .

وقد روى البغوي في تفسيره حديثاً بسنده عن محمد بن فضيل عن الأجلح - وهو ابن عبدالله الكندي الكوفي [ قال ابن كثير : وقد ضُعف بعض الشيء ] عن الزيال بن حرملة عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - إلى قوله : ( فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود )فأمسك عتبه على فيه . وناشده الرحم ، ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش ، واحتبس عنهم . . . الخ . .

ثم لما حدثوه في هذا قال : " فأمسكت بفيه وناشدته الرحم أن يكف . وقد علمتم أن محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب . فخشيت أن ينزل بكم العذاب " . .

فهذه صورة من وقع هذا الإنذار من فم رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] على قلب رجل لم يؤمن ! ولانترك هذه الرواية قبل أن نقف وقفة قصيرة أمام صورة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وأدب النفس الكبيرة وطمأنينة القلب المؤمن . وهو يستمع من عتبة إلى هذه الخواطر الصغيرة التي يعرضها عليه ، وقلبه مشغول بما هو اعظم ، حتى لتبدو هذه الخواطر مقززة تثير الاشمئزاز : ولكن الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] يتلقاها حليماً ، ويستمع كريماً ، وهو مطمئن هادىء ودود . لا يعجل عتبة عن استكمال هذه الخواطر الصغيرة . حتى إذا انتهى قال في هدوء وثبات وسماحة : " أفرغت يا أبا الوليد ? " . فيقول : نعم . فيقول[ صلى الله عليه وسلم ] ؛ " فاستمع مني " ولا يفاجئه بالقول حتى يقول : أفعل . وعندئذ يتلو [ صلى الله عليه وسلم ] في ثقة وفي طمأنينة وفي امتلاء روح قول ربه لا قوله : بسم الله الرحمن الرحيم . حم . . . . .

إنها صورة تلقي في القلب المهابة . والثقة . والمودة . والاطمئنان . . ومن ثم كان يملك قلوب سامعيه . . الذين قد يقصدون إليه أول الأمر ساخرين أو حانقين !

[ صلى الله عليه وسلم ] . . وصدق الله العظيم : ( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) . .

ونعود بعد هذه الوقفة القصيرة إلى النص القرآني الكريم :

( فإن أعرضوا فقل : أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود . . . ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَقُلۡ أَنذَرۡتُكُمۡ صَٰعِقَةٗ مِّثۡلَ صَٰعِقَةِ عَادٖ وَثَمُودَ} (13)

يقول تعالى : قل يا محمد لهؤلاء المشركين المكذبين بما جئتهم به من الحق : إن أعرضتم عما جئتكم به من عند الله فإني أنذركم حلول نقمة الله بكم ، كما حلت بالأمم الماضين من المكذبين بالمرسلين { صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } أي : ومن شاكلهما {[25645]} ممن فعل كفعلهما .


[25645]:- (4) في أ: "شاكلهم".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَقُلۡ أَنذَرۡتُكُمۡ صَٰعِقَةٗ مِّثۡلَ صَٰعِقَةِ عَادٖ وَثَمُودَ} (13)

{ فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود } .

بعد أن قَرَعتهم الحجة التي لا تترك للشك مسرباً إلى النفوس بعدها في أَن الله منفرد بالإِلهية لأنه منفرد بإيجاد العوالم كلها . وكان ثبوت الوحدانية من شأنه أن يزيل الريبة في أن القرآن منزَّل من عند الله لأنهم ما كفروا به إلا لأجل إعلانه بنفي الشريك عن الله تعالى ، فلما استبان ذلك كان الشأن أن يفيئوا إلى تصديق الرسول والإيمان بالقرآن ، وأن يقلعوا عن إعراضهم المحكي عنهم بقوله في أول السورة { فأعرض أكْثَرُهُم فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ } [ فصلت : 4 ] الخ ، فلذلك جعل استمرارهم على الإِعراض بعد تلك الحجج أمراً مفروضاً كما يُفْرَض المُحال ، فجيء في جانبه بحرف ( إنْ ) الذي الأصل فيه أن يقع في الموقع الذي لا جزم فيه بحصول الشرط كقوله تعالى : { أفنضرب عنكم الذكر صفحاً إن كنتم قوماً مسرفين } [ الزخرف : 5 ] في قراءة من قرأ بكسر همزة ( إنْ ) .

فمعنى { فَإنْ أعْرَضُوا } إن استمروا على إعراضهم بعد ما هديتهم بالدلائل البينة وكابروا فيها ، فالفعل مستعمل في معنى الاستمرار كقوله : { ياأيها الذين آمنوا آمنوا باللَّه ورسوله } [ النساء : 136 ] .

والإِنذار : التخويف ، وهو هنا تخويف بتوقع عقاب مثل عقاب الذين شابهوهم في الإِعراض خشيةَ أن يحلّ بهم ما حل بأولئك ، بناء على أن المعروف أن تجري أفعال الله على سَنن واحد ، وليس هو وعيداً لأن قريشاً لم تصبهم صاعقة مثلُ صاعقة عاد وثمود ، وإن كانوا قد ساوَوْهما في التكذيب والإِعراض عن الرسل وفي التعللات التي تعللوا بها من قولهم : { لو شاء الله لأنزل ملائكة } [ المؤمنون : 24 ] وأمهل الله قريشاً حتى آمن كثير منهم واستأصل كفارهم بعذاب خاص .

وحقيقة الصاعقة : نار تخرج مع البرق تُحرق ما تصيبه ، وتقدم ذكرها في قوله تعالى : { يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق } في سورة البقرة ( 19 ) . وتطلق على الحادثة المبيرة السريعة الإهلاككِ ، ولما أضيفت صاعقة هنا إلى عادٍ وثمود ، وعادٌ لم تهلكهم الصاعقة وإنما أهلكهم الريح وثمودُ أهلكوا بالصاعقة فقد استُعمل الصاعقة هنا في حقيقته ومجازه ، أو هو من عموم المجاوز والمقتضي لذلك على الاعتبارين قصدَ الإِيجاز ، وليقع الإِجمَال ثم التفصيل بعد بقوله : { فأمَّا عَادٌ } [ فصلت : 15 ] إلى قوله : { بما كانوا يكسبون } [ فصلت : 17 ] .

و { إذ } ظرف للماضي ، والمعنى مثل صاعقتهم حين جاءتهم الرسل إلى آخر الآيات . روى ابن إسحاق في سيرته أن عتبةَ بن ربيعة كلم النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من خلاففِ قومه فتلا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم { حم تَنزِيلٌ مِنَ الرحمن الرَّحِيم } حتى بلغ { فَقُلْ أنذَرْتُكُمْ صاعقة } [ فصلت : 1 13 ] الآية ، فأمسَكَ عتبةُ على فم النبي وقال له : « ناشدتُك الله والرحم »

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَقُلۡ أَنذَرۡتُكُمۡ صَٰعِقَةٗ مِّثۡلَ صَٰعِقَةِ عَادٖ وَثَمُودَ} (13)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{فإن أعرضوا} عن الإيمان يعني التوحيد.

{فقل أنذرتكم صاعقة} في الدنيا.

{مثل صاعقة عاد وثمود}: مثل عذاب عاد وثمود، وإنما خص عادا وثمود من بين الأمم؛ لأن كفار مكة قد عاينوا هلاكهم باليمن والحجر.

كل من يموت من عذاب أو سقم أو قتل فهو مصعوق.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: فإن أعرض هؤلاء المشركون عن هذه الحجة التي بيّنتها لهم يا محمد، ونبهتهم عليها فلم يؤمنوا بها ولم يقرّوا أن فاعل ذلك هو الله الذي لا إله غيره، فقل لهم: أنذرتكم أيها الناس صاعقة تهلككم مثل صاعقة عاد وثمود.

وقد بيّنا فيما مضى أن معنى الصاعقة: كلّ ما أفسد الشيء وغيره عن هيئته. وقيل في هذا الموضع عنى بها وقيعة من الله وعذاب.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} لم يُرد به عين عذاب أولئك ومثله في رأي العين، ولكن مثله في الهلاك والاستئصال، ألا ترى أن عذاب عاد وثمود مختلفان في رأي العين، عذاب عاد خلاف عذاب ثمود، وهما في المعنى واحد.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أن الكلام إنما ابتدئ من قوله {أنما إلهكم إله واحد} واحتج عليه بقوله {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين} وحاصله أن الإله الموصوف بهذه القدرة القاهرة كيف يجوز الكفر به، وكيف يجوز جعل هذه الأجسام الخسيسة شركاء له في الإلهية؟ ولما تمم تلك الحجة قال: {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} وبيان ذلك؛ لأن وظيفة الحجة قد تمت على أكمل الوجوه، فإن بقوا مصرين على الجهل لم يبق حينئذ علاج في حقهم إلا إنزال لعذاب عليهم؛ فلهذا السبب قال: {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم} بمعنى أن أعرضوا عن قبول هذه الحجة القاهرة التي ذكرناها وأصروا على الجهل والتقليد.

{فقل أنذرتكم} والإنذار هو: التخويف، قال المبرد والصاعقة الثائرة المهلكة لأي شيء كان...

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

{أَنذَرْتُكُمْ} أي أنذركُم وصيغةُ الماضِي للدلالةِ على تحقيقِ الإنذارِ المنبئ عن تحقيقِ المنذَرِ به.

{مثْلَ صاعقة عَادٍ وَثَمُودَ} وقُرِئ صعقةً مثلَ صعقةِ عادٍ وثمودٍ وهي المرةُ من الصعْقِ أو الصَّعَقُ.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود}.

إن استمرارهم على الإِعراض بعد تلك الحجج أمر مفروض كما يُفْرَض المُحال، فجيء في جانبه بحرف (إنْ) الذي الأصل فيه أن يقع في الموقع الذي لا جزم فيه بحصول الشرط كقوله تعالى: {أفنضرب عنكم الذكر صفحاً إن كنتم قوماً مسرفين} [الزخرف: 5] في قراءة من قرأ بكسر همزة (إنْ)، فمعنى {فَإنْ أعْرَضُوا} إن استمروا على إعراضهم بعد ما هديتهم بالدلائل البينة وكابروا فيها، فالفعل مستعمل في معنى الاستمرار كقوله: {ياأيها الذين آمنوا آمنوا باللَّه ورسوله} [النساء: 136].

والإِنذار: التخويف، وهو هنا تخويف بتوقع عقاب مثل عقاب الذين شابهوهم في الإِعراض خشيةَ أن يحلّ بهم ما حل بأولئك، بناء على أن المعروف أن تجري أفعال الله على سَنن واحد، وليس هو وعيداً؛ لأن قريشاً لم تصبهم صاعقة مثلُ صاعقة عاد وثمود، وإن كانوا قد ساوَوْهما في التكذيب والإِعراض عن الرسل وفي التعللات التي تعللوا بها من قولهم: {لو شاء الله لأنزل ملائكة} [المؤمنون: 24] وأمهل الله قريشاً حتى آمن كثير منهم واستأصل كفارهم بعذاب خاص.

وحقيقة الصاعقة: نار تخرج مع البرق تُحرق ما تصيبه، وتطلق على الحادثة المبيرة السريعة الإهلاكِ، ولما أضيفت صاعقة هنا إلى عادٍ وثمود، وعادٌ لم تهلكهم الصاعقة وإنما أهلكهم الريح وثمودُ أهلكوا بالصاعقة فقد استُعمل الصاعقة هنا في حقيقته ومجازه، أو هو من عموم المجاوز والمقتضي لذلك على الاعتبارين قصدَ الإِيجاز، وليقع الإِجمَال ثم التفصيل بعد بقوله: {فأمَّا عَادٌ} [فصلت: 15] إلى قوله: {بما كانوا يكسبون} [فصلت: 17].

و {إذ} ظرف للماضي، والمعنى مثل صاعقتهم حين جاءتهم الرسل إلى آخر الآيات.