مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَقُلۡ أَنذَرۡتُكُمۡ صَٰعِقَةٗ مِّثۡلَ صَٰعِقَةِ عَادٖ وَثَمُودَ} (13)

قوله تعالى : { فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود * إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون * فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون * فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون * وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون * ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون } .

اعلم أن الكلام إنما ابتدئ من قوله { أنما إلهكم إله واحد } واحتج عليه بقوله { قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين } وحاصله أن الإله الموصوف بهذه القدرة القاهرة كيف يجوز الكفر به ، وكيف يجوز جعل هذه الأجسام الخسيسة شركاء له في الإلهية ؟ ولما تمم تلك الحجة قال : { فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود } وبيان ذلك لأن وظيفة الحجة قد تمت على أكمل الوجوه ، فإن بقوا مصرين على الجهل لم يبق حينئذ علاج في حقهم إلا إنزال لعذاب عليهم . فلهذا السبب قال : { فإن أعرضوا فقل أنذرتكم } بمعنى أن أعرضوا عن قبول هذه الحجة القاهرة التي ذكرناها وأصروا على الجهل والتقليد { فقل أنذرتكم } والإنذار هو : التخويف ، قال المبرد والصاعقة الثائرة المهلكة لأي شيء كان ، وقرئ { صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود } قال صاحب «الكشاف » وهي المرة من الصعق .