وهذا هو القرآن حاضرا ، سهل التناول ، ميسر الإدراك ، فيه جاذبية ليقرأ ويتدبر . فيه جاذبية الصدق والبساطة ، وموافقة الفطرة واستجاشة الطبع ، لا تنفد عجائبه ، ولا يخلق على كثرة الرد . وكلما تدبره القلب عاد منه بزاد جديد . وكلما صحبته النفس زادت له ألفة وبه أنسا :
( ولقد يسرنا القرآن للذكر ، فهل من مدكر ? ) . .
وهذا هو التعقيب الذي يتكرر ، بعد كل مشهد يصور . . ويقف السياق عنده بالقلب البشري يدعوه دعوة هادئة إلى التذكر والتدبر ، بعد أن يعرض عليه حلقة من العذاب الأليم الذي حل بالمكذبين .
{ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ } أي : سهلنا لفظه ، ويسرنا معناه لمن أراده ، ليتذكر الناس . كما قال : { كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ {[27778]} أُولُو الألْبَابِ } [ ص : 29 ] ، وقال تعالى : { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا } [ مريم : 97 ] .
قال مجاهد : { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ } يعني : هَوّنّا قراءته .
وقال السدي : يسرنا تلاوته على الألسن .
وقال الضحاك عن ابن عباس : لولا أن الله يسره على لسان الآدميين ، ما استطاع أحد من الخلق أن يتكلم بكلام الله ، عز وجل .
قلت : ومن تيسيره ، تعالى ، على الناس تلاوة القرآن ما تَقدّم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف " . وأوردنا الحديث بطرقه وألفاظه بما أغنى عن إعادته هاهنا ، ولله الحمد والمنة .
وقوله : { فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } أي : فهل من متذكر بهذا القرآن الذي قد يَسَّر الله حفظه ومعناه ؟
وقال محمد بن كعب القرظي : فهل من منزجر عن المعاصي ؟
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا الحسن بن رافع ، حدثنا ضَمْرَة {[27779]} ، عن ابن شَوْذَب ، عن مَطَر - هو الوراق - في قوله تعالى : { فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } هل من طالب علم فَيُعَان عليه ؟
وكذا علقه البخاري بصيغة الجزم ، عن{[27780]} مطر الوراق و[ كذا ] {[27781]} رواه ابن جرير{[27782]} ، وروي عن قتادة مثله .
و : { يسرنا القرآن } معناه : سهلناه وقربناه و «الذكر » : الحفظ عن ظهر قلب ، قال ابن جبير : لم يستظهر من كتب الله سوى القرآن .
قال القاضي أبو محمد : يسر بما فيه من حسن النظم وشرف المعاني فله لوطة{[10774]} بالقلوب ، وامتزاج بالعقول السليمة .
وقوله : { فهل من مدكر } استدعاء وحض على ذكره وحفظه لتكون زواجره وعلومه وهداياته حاضرة في النفس . قال مطرف في قوله تعالى : { فهل من مدكر } هل من طالب علم فيعان عليه .
قال القاضي أبو محمد : الآية تعديد نعمة في أن الله يسر الهدى ولا بخل من قبله ، فلله در من قبل وهدى . وقد تقدم تعليل : { مدكر } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.