قوله تعالى : { خشعاً أبصارهم } قرأ أبو عمرو ، ويعقوب ، وحمزة ، والكسائي : { خاشعاً } على الواحد ، وقرأ الآخرون : { خشعاً } بضم الخاء وتشديد الشين على الجمع . ويجوز في أسماء الفاعلين إذا تقدمت على الجماعة التوحيد والجمع والتذكير والتأنيث ، تقول : مررت برجال حسن أوجههم ، وحسنة أوجههم ، وحسان أوجههم ، قال الشاعر :
ورجال حسن أوجههم*** من إياد بن نزار بن معد
وفي قراءة عبد الله : ( خاشعة أبصارهم ) ، أي : ذليلة خاضعة عند رؤية العذاب . { يخرجون من الأجداث } من القبور ، { كأنهم جراد منتشر } منبث حيارى ، وذكر المنتشر على لفظ الجراد ، نظيرها ، { كالفراش المبثوث } ( القارعة-4 ) وأراد أنهم يخرجون فزعين لا جهة لأحد منهم يقصدها ، كالجراد لا جهة لها ، تكون مختلطة بعضها في بعض .
( خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر . مهطعين إلى الداعي يقول الكافرون : هذا يوم عسر . . )
وهو مشهد من مشاهد ذلك اليوم ، يناسب هوله وشدته ظلال السورة كلها ؛ ويتناسق مع الإرهاص باقتراب الساعة ، ومع الإنباء بانشقاق القمر ، ومع الإيقاع الموسيقي في السورة كذلك !
" وهو متقارب سريع . وهو مع سرعته شاخص متحرك ، مكتمل السمات والحركات : هذه جموع خارجة من الأجداث في لحظة واحدة كأنهم جراد منتشر [ ومشهد الجراد المعهود يساعد على تصور المنظر المعروض ]
وهذه الجموع خاشعة أبصارها من الذل والهول ، وهي تسرع في سيرها نحو الداعي ، الذي يدعوها لأمر غريب نكير شديد لا تعرفه ولا تطمئن إليه . . وفي أثناء هذا التجمع والخشوع والإسراع يقول الكافرون : ( هذا يوم عسر ) . . وهي قولة المكروب المجهود ، الذي يخرج ليواجه الأمر الصعيب الرعيب ! .
فهذا هو اليوم الذي اقترب ، وهم عنه معرضون ، وبه يكذبون . فتول عنهم يوم يجيء ، ودعهم لمصيرهم فيه وهو هذا المصير الرعيب المخيف !
{ خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث } أي يخرجون من قبورهم خاشعا ذليلا أبصارهم من الهول ، وإفراده وتذكيره لأن فاعله ظاهر غير حقيقي التأنيث ، وقرئ " خاشعة " على الأصل ، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم { خشعا } ، وإنما حسن ذلك ولم يحسن مررت برجال قائمين غلمانهم لأنه ليس على صيغة تشبه الفعل ، وقرئ " خشع أبصارهم " على الابتداء والخبر فتكون الجملة حالا . { كأنهم جراد منتشر } في الكثرة والتموج والانتشار في الأمكنة .
وقرأ جمهور القراء : «خشعاً » وهي قراءة الأعرج وأبي جعفر وشيبة والحسن وقتادة . وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي : «خاشعاً » ، وهي قراءة ابن عباس وابن جبير ومجاهد والجحدري ، وهو إفراد بمعنى الجمع ، ونظيره قول الشاعر [ الحارث بن أوس الإيادي ] : [ الرمل ]
وشباب حسن أوجههم . . . من إياد بن نزار بن معد{[10761]}
ورجح أبو حاتم هذه القراءة وذكر أن رجلاً من المتطوعة قال قبل أن يستشهد : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فسألته عن «خشعاً وخاشعاً » فقال : «خاشعاً » بالألف ، وفي مصحف أبيّ بن كعب وعبد الله : «خاشعة » .
وخص الأبصار بالخشوع لأنه فيها أظهر منه في سائر الجوارح ، وكذلك سائر ما في نفس الإنسان من حياء أو صلف أو خوف ونحوه إنما يظهر في البصر . و : { الأجداث } جمع جدث وهو القبر ، وشبههم بالجراد المنتشر ، وقد شبههم في أخرى ب { الفراش المبثوث }{[10762]} [ القارعة : 4 ] ، وفيهم من كل هذا شبه ، وذهب بعض المفسرين إلى أنهم أولاً كالفراش حين يموجون بعض في بعض ثم في رتبة أخرى كالجراد إذا توجهوا نحو المحشر والداعي ، وفي الحديث : إن مريم بنت عمران دعت للجراد فقالت : اللهم اعشها بغير رضاع وتابع بينها بغير شباع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.