78- والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تدركون شيئاً مما يحيط بكم ، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ، وسائل للعلم والإدراك ، لتؤمنوا به عن طريق العلم ، وتشكروه على ما تفضل به عليكم{[116]} .
قوله تعالى : { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم } ، قرأ الكسائي بطون أمهاتكم بكسر الهمزة ، وقرأ حمزة بكسر الميم والهمزة ، والباقون بضم الهمزة وفتح الميم ، { لا تعلمون شيئاً } ، تم الكلام ، ثم ابتدأ فقال جل وعلا : { وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة } ؛ لأن الله تعالى جعل هذه الأشياء لهم قبل الخروج من بطون الأمهات ، وإنما أعطاهم العلم بعد الخروج ، { لعلكم تشكرون } ، نعمه من كون السمع ، والأبصار ، والأفئدة قبل الخروج ؛ إذ يسمع الطفل ويبصر ، ولا يعلم ، وهذه الجوارح من غير هذه الصفات كالمعدوم . كما قال فيمن لا يسمع الحق ، ولا يبصر العبر ، ولا يعقل الثواب : { صم بكم عمي فهم لا يرجعون } ، لا يشكرون نعمه .
ويقرب القرآن الأمر بعرض مثل صغير من حياة البشر ، تعجز عنه قواهم ويعجز عنه تصورهم ، وهو يقع في كل لحظة من ليل أو نهار :
( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا ، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ) .
وهو غيب قريب ، ولكنه موغل بعيد . وأطوار الجنين قد يراها الناس ، ولكنهم لا يعلمون كيف تتم ، لأن سرها هو سر الحياة المكنون . والعلم الذي يدعيه الإنسان ويتطاول به ويريد أن يختبر به أمر الساعة وأمر الغيب ، علم حادث مكسوب : ( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا ) ومولد كل عالم وكل باحث ، ومخرجه من بطن أمه لا يعلم شيئا قريب قريب ! وما كسبه بعد ذلك من علم هبة من الله بالقدر الذي أراده للبشر ، وجعل فيه كفاية حياتهم على هذا الكوكب ، في المحيط المكشوف لهم من هذا الوجود : ( وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة )والقرآن يعبر بالقلب ويعبر بالفؤاد عن مجموع مدارك الإنسان الواعية ؛ وهي تشمل ما اصطلح على أنه العقل ، وتشمل كذلك قوى الإلهام الكامنة المجهولة الكنه والعمل . جعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ( لعلكم تشكرون )حين تدركون قيمة النعمة في هذه وفي سواها من آلاء الله عليكم . وأول الشكر : الإيمان بالله الواحد المعبود .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مّن بُطُونِ أُمّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : والله تعالى أعلمكم ما لم تكونوا تعلمون ، من بعد ما أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعقلون شيئا ولا تعلمون ، فرزقكم عقولاً تفقهون بها ، وتميزون بها الخير من الشرّ ، وبصرّكم بها ما لم تكونوا تبصرون ، وجعل لكم السمع الذي تسمعون به الأصوات ، فيفقه بعضكم عن بعض ما تتحاورون به بينكم ، والأبصار التي تبصرون بها الأشخاص ، فتتعارفون بها وتميزون بها بعضا من بعض . و " الأفْئِدَةَ " يقول : والقلوب التي تعرفون بها الأشياء ، فتحفظونها وتفكرون فتفقهون بها . { لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ } ، يقول : فعلنا ذلك بكم ، فاشكروا الله على ما أنعم به عليكم من ذلك ، دون الآلهة والأنداد ، فجعلتم له شركاء في الشكر ، ولم يكن له فيما أنعم به عليكم من نعمه شريك .
وقوله : { وَاللّهُ أخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أمّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئا } كلام متناه ، ثم ابتدىء الخبر ، فقيل : وجعل الله لكم السمع والأبصار والأفئدة . وإنما قلنا ذلك كذلك ؛ لأن الله تعالى ذكره جعل العبادة والسمع والأبصار والأفئدة قبل أن يخرجهم من بطون أمهاتهم ، وإنما أعطاهم العلم والعقل بعدما أخرجهم من بطون أمهاتهم .
وقوله : { والله أخرجكم } ، الآية ، آية تعديد نعمة بينة لا ينكرها عاقل ، وهي نعمة معها كفرها وتصريفها في الإشراك بالذي وهبها ، فالله عز وجل أخبر بأنه أخرج ابن آدم لا يعلم شيئاً ، ثم جعل حواسه التي قد وهبها له في البطن سلماً إلى درك المعارف ، ليشكر على ذلك ويؤمن بالمنعم عليه ، و «أمهات » أصله أمات ، وزيدت الهاء مبالغة وتأكيداً ، كما زادوا الهاء في أهرقت الماء ، قاله أبو إسحاق ، وفي هذا المثل نظر وقول غير هذا ، وقرأ حمزة والكسائي : «إمهاتكم » ، بكسر الهمزة ، وقرأ الأعمش : «في بطون أمِّهاتكم » ، بحذف الهمزة وكسر الميم المشددة ، وقرأ ابن أبي ليلى بحذف الهمزة وفتح الميم مشددة ، قال أبو حاتم : حذف الهمزة ردي ولكن قراءة ابن أبي ليلى أصوب{[7388]} . والترجي الذي في «لعل » هو بحسبنا ، وهذه الآية تعديد نعم وموضع اعتبار{[7389]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.