المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَٱلۡمُرۡسَلَٰتِ عُرۡفٗا} (1)

مقدمة السورة:

أهم ما اشتملت عليه هذه السورة الكريمة الكلام عن البعث والقيامة ، وإقامة الأدلة على وقوعها ، وتهديد من يكذب بهما ، وتكرير ذلك التهديد بالويل عشر مرات ، وتخويفه بما يذوق من الذلة والعذاب ، وتبشير المتقين بما يلقونه من الرفاهة والنعيم ، وختامها الويل للكافرين الذين لا مؤمنون بالقرآن .

1 - أقسم بالآيات المرسلة على لسان جبريل إلى محمد للعرف والخير ، فالآيات القاهرات لسائر الأديان الباطلة تنسفها نسفاً ، وبالآيات الناشرات للحكمة والهداية في قلوب العالمين نشراً عظيماً ، فالفارقات بين الحق والباطل فرقاً واضحاً ، فالملقيات على الناس تذكرة تنفعهم - إعذاراً لهم وإنذاراً - فلا تكون لهم حُجة : إن الذي توعدونه من مجيء يوم القيامة لنازل لا ريب فيه .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱلۡمُرۡسَلَٰتِ عُرۡفٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة المرسلات

مكية وآياتها خمسون

{ والمرسلات عرفاً } يعني الرياح أرسلت متتابعة كعرف الفرس . وقيل : عرفاً أي كثيراً تقول العرب : الناس إلى فلان عرف واحد ، إذا توجهوا إليه فأكثروا ، هذا معنى قول مجاهد وقتادة . وقال مقاتل : يعني الملائكة التي أرسلت بالمعروف من أمر الله ونهيه ، وهي رواية مسروق عن ابن مسعود .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلۡمُرۡسَلَٰتِ عُرۡفٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة المرسلات مكية وآياتها خمسون

هذه السورة حادة الملامح ، عنيفة المشاهد ، شديدة الإيقاع ، كأنها سياط لاذعة من نار . وهي تقف القلب وقفة المحاكمة الرهيبة ، حيث يواجه بسيل من الاستفهامات والاستنكارات والتهديدات ، تنفذ إليه كالسهام المسنونة !

وتعرض السورة من مشاهد الدنيا والآخرة ، وحقائق الكون والنفس ، ومناظر الهول والعذاب ما تعرض . وعقب كل معرض ومشهد تلفح القلب المذنب لفحة كأنها من نار : ( ويل يومئذ للمكذبين ) !

ويتكرر هذا التعقيب عشر مرات في السورة . وهو لازمة الإيقاع فيها . وهو أنسب تعقيب لملامحها الحادة ، ومشاهدها العنيفة ، وإيقاعها الشديد .

وهذه اللازمة تذكرنا باللازمة المكررة في سورة " الرحمن " عقب عرض كل نعمة من نعم الله على العباد : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ? ) . . كما تذكرنا باللازمة المكررة في سورة " القمر " عقب كل حلقة من حلقات العذاب : ( فكيف كان عذابي ونذر ? ) . . وتكرارها هنا على هذا النحو يعطي السورة سمة خاصة ، وطعما مميزا . . حادا . .

وتتوالى مقاطع السورة وفواصلها قصيرة سريعة عنيفة ، متعددة القوافي . كل مقطع بقافية . ويعود السياق أحيانا إلى بعض القوافي مرة بعد مرة . ويتلقى الحس هذه المقاطع والفواصل والقوافي بلذعها الخاص ، وعنفها الخاص . واحدة إثر واحدة . وما يكاد يفيق من إيقاع حتى يعاجله إيقاع آخر ، بنفس العنف وبنفس الشدة .

ومنذ بداية السورة والجو عاصف ثائر بمشهد الرياح أو الملائكة : ( والمرسلات عرفا . فالعاصفات عصفا . والناشرات نشرا فالفارقات فرقا . فالملقيات ذكرا ، عذرا أو نذرا ) . . وهو افتتاح يلتئم مع جو السورة وظلها تمام الالتئام .

وللقرآن في هذا الباب طريقة خاصة في اختيار إطار للمشاهد في بعض السور من لون هذه المشاهد وقوتها . . وهذا نموذج منها ، كما اختار إطارا من الضحى والليل إذا سجى لمشاهد الرعاية والحنان والإيواء في " سورة الضحى " وإطارا من العاديات الضابحة الصاخبة المثيرة للغبار لمشاهد بعثرة القبور وتحصيل ما في الصدور في سورة " والعاديات " . . وغيرها كثير .

وكل مقطع من مقاطع السورة العشرة بعد هذا المطلع ، يمثل جولة أو رحلة في عالم ، تتحول السورة معه إلى مساحات عريضة من التأملات والمشاعر والخواطر والتأثرات والاستجابات . . أعرض بكثير جدا من مساحة العبارات والكلمات ، وكأنما هذه سهام تشير إلى عوالم شتى !

والجولة الأولى تقع في مشاهد يوم الفصل . وهي تصور الانقلابات الكونية الهائلة في السماء والأرض ، وهي الموعد الذي تنتهي إليه الرسل بحسابها مع البشر : ( فإذا النجوم طمست . وإذا السماء فرجت . وإذا الجبال نسفت . وإذا الرسل أقتت . لأي يوم أجلت ? ليوم الفصل . وما أدراك ما يوم الفصل ? ويل يومئذ للمكذبين ! ) .

والجولة الثانية مع مصارع الغابرين ، وما تشير إليه من سنن الله في المكذبين : ( ألم نهلك الأولين ? ثم نتبعهم الآخرين ? كذلك نفعل بالمجرمين . ويل يومئذ للمكذبين ! ) . .

والجولة الثالثة مع النشأة الأولى وما توحي به من تقدير وتدبير : ( ألم نخلقكم من ماء مهين ? فجعلناه في قرار مكين ? إلى قدر معلوم ? فقدرنا فنعم القادرون . ويل يومئذ للمكذبين ! ) . .

والجولة الرابعة في الأرض التي تضم أبناءها إليها أحياء وأمواتا ، وقد جهزت لهم بالاستقرار والماء المحيي : ( ألم نجعل الأرض كفاتا ? أحياء وأمواتا ، وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتا ? ويل يومئذ للمكذبين ! ) . .

والجولة الخامسة مع المكذبين وما يلقونه يوم الفصل من عذاب وتأنيب : ( انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون . انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب ! لا ظليل ولا يغني من اللهب . إنها ترمي بشرر كالقصر كأنه جمالة صفر . ويل يومئذ للمكذبين ! ) . .

والجولة السادسة والسابعة استطراد مع موقف المكذبين ، ومزيد من التأنيب والترذيل : ( هذا يوم لا ينطقون ، ولا يؤذن لهم فيعتذرون . ويل يومئذ للمكذبين ! هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين . فإن كان لكم كيد فكيدون . ويل يومئذ للمكذبين ! ) . .

والجولة الثامنة مع المتقين ، وما أعد لهم من نعيم : ( إن المتقين في ظلال وعيون ، وفواكه مما يشتهون . كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون . إنا كذلك نجزي المحسنين . ويل يومئذ للمكذبين ! ) . .

والجولة التاسعة خطفة سريعة مع المكذبين في موقف التأنيب : ( كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون . ويل يومئذ للمكذبين ! ) . .

والجولة العاشرة خطفة سريعة مع المكذبين في موقف التكذيب : ( وإذا قيل لهم : اركعوا لا يركعون . ويل يومئذ للمكذبين ! ) .

والخاتمة بعد هذه الجولات والاستعراضات والوخزات والإيقاعات : ( فبأي حديث بعده يؤمنون ? ) . .

وهكذا يمضي القلب مع سياق السورة السريع ، وكأنه يلهث مع إيقاعها وصورها ومشاهدها . فأما الحقائق الموضوعية في السورة فقد تكرر ورودها في سور القرآن - والمكية منها بوجه خاص - ولكن الحقائق القرآنية تعرض من جوانب متعددة ، وفي أضواء متعددة ، وبطعوم ومذاقات متعددة ، وفق الحالات النفسية التي تواجهها ، ووفق مداخل القلوب وأحوال النفوس التي يعلمها منزل هذا القرآن على رسوله ، فتبدو في كل حالةجديدة ، لأنها تستجيش في النفس استجابات جديدة .

وفي هذه السورة جدة في مشاهد جهنم . وجدة في مواجهة المكذبين بهذه المشاهد . كما أن هناك جدة في أسلوب العرض والخطاب كله . ومن ثم تبرز شخصية خاصة للسورة . حادة الملامح . لاذعة المذاق . لاهثة الإيقاع !

والآن نستعرض السورة في سياقها القرآني بالتفصيل :

والمرسلات عرفا . فالعاصفات عصفا . والناشرات نشرا . فالفارقات فرقا . فالملقيات ذكرا : عذرا أو نذرا . . إن ما توعدون لواقع . .

القضية قضية القيامة التي كان يعسر على المشركين تصور وقوعها ؛ والتي أكدها لهم القرآن الكريم بشتى الموكدات في مواضع منه شتى . وكانت عنايته بتقرير هذه القضية في عقولهم ، ، وإقرار حقيقتها في قلوبهم مسألة ضرورة لا بد منها لبناء العقيدة في نفوسهم على أصولها ، ثم لتصحيح موازين القيم في حياتهم جميعا . فالاعتقاد باليوم الآخر هو حجر الأساس في العقيدة السماوية ، كما أنه حجر الأساس في تصور الحياة الإنسانية . وإليه مرد كل شيء في هذه الحياة ، وتصحيح الموازين والقيم في كل شأن من شؤونها جميعا . . ومن ثم اقتضت هذا الجهد الطويل الثابت لتقريرها في القلوب والعقول .

والله سبحانه يقسم في مطلع هذه السورة على أن هذا الوعد بالآخرة واقع . وصيغة القسم توحي ابتداء بأن ما يقسم الله به هو من مجاهيل الغيب ، وقواه المكنونة ، المؤثرة في هذا الكون وفي حياة البشر . وقد اختلف السلف في حقيقة مدلولها . فقال بعضهم : هي الرياح إطلاقا . وقال بعضهم هي الملائكة إطلاقا . وقال بعضهم : إن بعضها يعني الرياح وبعضها يعني الملائكة . . مما يدل على غموض هذه الألفاظ ومدلولاتها . وهذا الغموض هو أنسب شيء للقسم بها على الأمر الغيبي المكنون في علم الله . وأنه واقع كما أن هذه المدلولات المغيبة واقعة ومؤثرة في حياة البشر .

( والمرسلات عرفا ) . . عن أبي هريرة أنها الملائكة . وروي مثل هذا عن مسروق وأبي الضحى ومجاهد في إحدى الروايات ، والسدي والربيع بن أنس ، وأبي صالح في رواية [ والمعنى حينئذ هو القسم بالملائكة المرسلة أرسالا متوالية ، كأنها عرف الفرس في إرسالها وتتابعها ] .

وهكذا قال أبو صالح في العاصفات والناشرات والفارقات والملقيات . . إنها الملائكة .

وروي عن ابن مسعود . . المرسلات عرفا . قال : الريح . [ والمعنى على هذا أنها المرسلة متوالية كعرف الفرس في امتدادها وتتابعها ] وكذا قال في العاصفات عصفا والناشرات نشرا . وكذلك قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وأبو صالح في رواية .

وتوقف ابن جرير في المرسلات عرفا هل هي الملائكة أو الرياح . وقطع بأن العاصفات هي الرياح . وكذلك الناشرات التي تنشر السحاب في آفاق السماء .

وعن ابن مسعود : ( فالفارقات فرقا فالملقيات ذكرا ، عذرا أو نذرا )يعني الملائكة . وكذا قال : ابن عباس ومسروق ومجاهد وقتادة والربيع بن أنس والسدي والثوري بلا خلاف . فإنها تنزل بأمر الله على الرسل ، تفرق بين الحق والباطل . وتلقي إلى الرسل وحيا فيه إعذار إلى الخلق وإنذار .

ونحن نلمح أن التهويل بالتجهيل ملحوظ في هذه الأمور المقسم بها كالشأن في الذاريات ذروا . وفي النازعات غرقا . . وأن هذا الخلاف في شأنها دليل على إبهامها . وأن هذا الإبهام عنصر أصيل فيها في موضعها هذا . وأن الإيحاء المجمل في التلويح بها هو أظهر شيء في هذا المقام . وأنها هي بذاتها تحدث هزة شعورية بإيحاء جرسها وتتابع إيقاعها ، والظلال المباشرة التي تلقيها . وهذه الانتفاضة والهزة اللتان تحدثهما في النفس هما أليق شيء بموضوع السورة واتجاهها . . وكل مقطع من مقاطع السورة بعد ذلك هو هزة ، كالذي يمسك بخناق أحد فيهزه هزا ، وهو يستجوبه عن ذنب ، أو عن آية ظاهرة ينكرها ، ثم يطلقه على الوعيد والتهديد : ( ويل يومئذ للمكذبين ) . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلۡمُرۡسَلَٰتِ عُرۡفٗا} (1)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَالْمُرْسَلاَتِ عُرْفاً * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً * والنّاشِرَاتِ نَشْراً * فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً * فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً * عُذْراً أَوْ نُذْراً } .

اختلف أهل التأويل في معنى قول الله : وَالمُرْسَلاتِ عُرْفا فقال بعضهم : معنى ذلك : والرياح المرسلات يتبع بعضها بعضا ، قالوا : والمرسَلات : هي الرياح . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا المحاربي ، عن المسعودي ، عن سَلَمة بن كَهيَل ، عن أبي العُبيدين أنه سأل ابن مسعود فقال : والمُرْسَلاتِ عُرْفا قال : الريح .

حدثنا خلاد بن أسلم ، قال : حدثنا النضر بن شميل ، قال : أخبرنا المسعودي ، عن سَلَمة بن كهيل ، عن أبي العُبيدين أنه سأل عبد الله بن مسعود ، فذكر نحوه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن مسلم ، عن أبي العُبيدين ، قال : سألت عبد الله بن مسعود ، فذكر نحوه .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله والمُرْسَلاتِ عُرْفا يعني الريح .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عبيد الله بن معاذ ، قال : ثني أبي ، عن شعبة ، عن إسماعيل السديّ ، عن أبي صالح صاحب الكلبي في قوله وَالمُرْسَلاتِ عُرْفا قال : هي الرياح .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَالمُرْسَلاتِ عُرْفا قال : الريح .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن سَلَمَة بن كهيل ، عن مسلم البطين ، عن أبي العُبيدين ، قال : سألت عبد الله عن المُرْسَلاتِ عُرْفا قال : الريح .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَالمُرْسَلاتِ عُرْفا قال : هي الريح .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : والملائكة التي تُرسَل بالعرف . ذكر من قال ذلك :

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلم ، قال : كان مسروق يقول في المرسلات : هي الملائكة .

حدثنا إسرائيل بن أبي إسرائيل ، قال : أخبرنا النضر بن شميل ، قال : حدثنا شعبة ، عن سليمان ، قال : سمعت أبا الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله في قوله : وَالمُرْسَلاتِ عُرْفا قال : الملائكة .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا جابر بن نوح ووكيع عن إسماعيل ، عن أبي صالح في قوله : وَالمُرْسَلاتِ عُرْفا قال : هي الرسل ترسل بالعُرف .

حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري ، قال : حدثنا محمد بن يزيد ، عن إسماعيل ، قال : سألت أبا صالح عن قوله وَالمُرْسَلاتِ عُرْفا قال : هي الرسل ترسل بالمعروف .

قالوا : فتأويل الكلام والملائكة التي أرسلت بأمر الله ونهيه ، وذلك هو العرف . وقال بعضهم : عُني بقوله عُرْفا : متتابعا كعرف الفرس ، كما قالت العرب : الناس إلى فلان عرف واحد ، إذا توجهوا إليه فأكثروا . ذكر من قال ذلك :

حُدثت عن داود بن الزبرقان ، عن صالح بن بريدة ، في قوله : عُرْفا قال : يتبع بعضها بعضا .

والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله تعالى ذكره أقسم بالمرسلات عرفا ، وقد ترسل عُرْفا الملائكة ، وترسل كذلك الرياح ، ولا دلالة تدلّ على أن المعنيّ بذلك أحد الحِزْبين دون الاَخر وقد عمّ جلّ ثناؤه بإقسامه بكل ما كانت صفته ما وصف ، فكلّ من كان صفته كذلك ، فداخل في قسمه ذلك مَلَكا أو ريحا أو رسولاً من بني آدم مرسلاً .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلۡمُرۡسَلَٰتِ عُرۡفٗا} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة المرسلات{[1]}

بسم الله الرحمن الرحيم سورة المرسلات وهي مكية في قول جمهور المفسرين وحكى النقاش انه قيل إن فيها من المدني قوله ‘ وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون{[2]} ‘ المرسلات 48 على قول من قال إنها حكاية عن حال المنافقين في القيامة وإنها بمعنى قوله تعالى ‘ يدعون الى السجود فلا يستطيعون{[3]} ‘ القلم 42 وقال ابن مسعود نزلت هذه السورة ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراء الحديث بطوله{[4]}

قال كثير من المفسرين : { المرسلات } ، الرسل إلى الناس من الأنبياء كأنه قال : والجماعات المرسلات ، وقال أبو صالح ومقاتل وابن مسعود : { المرسلات } الملائكة المرسلة بالوحي ، وبالتعاقب على العباد طرفي النهار ، وقال ابن مسعود أيضاً وابن عباس ومجاهد وقتادة : { المرسلات } ، الرياح ، وقال الحسن بن أبي الحسن : { المرسلات } السحاب و { عرفاً } معناه على القول الأول { عرفاً } من الله وإفضالاً{[11541]} على عباده ببعثه الرسل .

ومنه قول الشاعر : [ الحطيئة ] : [ البسيط ]

من يفعل الخير لا يعدمْ جوازيَهُ*** لا يذهب العرف بين الله والناس{[11542]}

ويحتمل أني ريد بقوله { عرفاً } أي متتابعة على التشبيه بتتابع عرف الفرس وأعراف الجبال ونحو ذلك ، والعرب تقول : الناس إلى فلان عرف واحد إذا توجهوا إليه ، ويحتمل أن يريد بالعرف أي بالحق ، والأمر بالمعروف ، وهذه الأقوال في عرف تتجه في قول من قال في { المرسلات } إنها الملائكة ، ومن قال إن { المرسلات } الرياح اتجه في العرف القول الأول على تخصيص الرياح التي هي نعمة وبها الأرزاق والنجاة في البحر وغير ذلك مما لا فقه فيه .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.
[3]:- أخرجه الإمام مالك في الموطأ المشهور بلفظ: (السبع المثاني القرآن العظيم الذي أعطيته) والترمذي وغيرهما، وخرج ذلك أيضا الإمام البخاري وغيره، عن أبي سعيد ابن المعلى في أول كتاب التفسير، وفي أول كتاب الفضائل بلفظ: (السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته). والسبع الطوال هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، فقوله: والسبع الطوال إلخ. رد على من يقول: إنما السبع المثاني.
[4]:- هو أبو هاشم المكي الليثي، وردت الرواية عنه في حروف القرآن، يروي عن أبيه ابن عمر.
[11541]:الإفضال: الإحسان، يقال: أفضل الرجل على فلان بمعنى: أناله من فضله وأحسن إليه. (لسان العرب).
[11542]:البيت للحطيئة، وهو في ديوانه، وفي اللسان، وهو من الأبيات المشهورة في قيمة المعروف وأثره بين الناس، قال ابن جني: "ظاهر هذا أن تكون (جوازيه) جمع جاز، أي: لا يعدم جزاء عليه، وجاز أن يجمع جزاء على جواز لمشابهة اسم الفاعل للمصدر، فكما جمع سيل على سوائل كذلك يجوز أن يكون جوازيه جمع جزاء". والعرف: المعروف، وهو خلاف المنكر أو ما يستحسن من الأفعال، وفي الحديث الشريف: (أهل المعارف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة).