قوله تعالى : { وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء } ، روي عن ابن عباس أنه قال : لما نزلت هذه الآية : { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم } ، قال المسلمون : كيف نقعد في المسجد الحرام ونطوف بالبيت وهم يخوضون أبداً ؟ وفي رواية ، قال المسلمون : فإنا نخاف الإثم حين نتركهم ولا ننهاهم ، فأنزل الله عز وجل : { وما على الذين يتقون } ، الخوض { من حسابهم } ، أي : من آثام الخائضين { من شيء } . قوله تعالى : { ولكن ذكرى } ، أي : ذكروهم وعظوهم بالقرآن ، والذكر والذكرى واحد ، يريد ذكروهم ذكرى ، فيكون في محل النصب .
قوله تعالى : { لعلهم يتقون } ، الخوض إذا وعظتموهم ، فرخص في مجالستهم على الوعظ لعلهم يمنعهم من ذلك الخوض ، وقيل : لعلهم يستحيون .
{ وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } أي : ولكن ليذكرهم ، ويعظهم ، لعلهم يتقون الله تعالى .
وفي هذا دليل على أنه ينبغي أن يستعمل المذكِّرُ من الكلام ، ما يكون أقرب إلى حصول مقصود التقوى . وفيه دليل على أنه إذا كان التذكير والوعظ ، مما يزيد الموعوظ شرا إلى شره ، إلى أن تركه هو الواجب{[292]} لأنه إذا ناقض المقصود ، كان تركه مقصودا .
{ وما على الذين يتقون من حسابهم } الآية ، والمراد ب { الذين } هم المؤمنون . والضمير في { حسابهم } عائد على { الذين يخوضون } ومن قال : إن المؤمنين داخلون في قوله : { فأعرض } قال إن النبي عليه السلام داخل في هذا القصد ب { الذين يتقون } ، والمعنى عندهم على ما روي أن المؤمنين قالوا لما نزلت فلا تقعد معهم قالوا : إذا كنا لا نضرب المشركين ولا نسمع أقوالهم فما يمكننا طواف ولا قضاء عبادة في الحرم فنزلت لذلك { وما على الذين يتقون } .
قال القاضي أبو محمد : فالإباحة في هذا هي في القدر الذي يحتاج إليه من التصرف بين المشركين في عبادة ونحوها ، وقال بعض من يقول إن النبي عليه السلام داخل في { الذين يتقون } وإن المؤمنين داخلون في الخطاب الأول أن هذه الآية الأخيرة ليست إباحة بوجه ، وإنما معناها لا تقعدوا ولا تقربوهم حتى تسمعوا استهزاءهم وخوضهم ، وليس نهيكم عن القعود لأن عليكم شيئاً من حسابهم وإنما هو ذكرى لكم ، ويحتمل المعنى أن يكون لهم لعلهم إذا جانبتموهم يتقون بالإمساك عن الاستهزاء ، وأما من قال إن الخطاب الأول هو مجرد للنبي صلى الله عليه وسلم لثقل مفارقته مغضباً على الكفار فإنه قال في هذه الآية الثانية إنها مختصة بالمؤمنين ، ومعناها الإباحة ، فكأنه قال : فلا تقعد معهم يا محمد وأما المؤمنون فلا شيء عليهم من حسابهم فإن قعدوا فليذكروهم لعلهم يتقون الله في ترك ما هم فيه .
قال القاضي أبو محمد : وهذا القول أشار إليه النقاش ولم يوضحه ، وفيه عندي نظر ، وقال قائل هذه المقالة : إن هذه الإباحة للمؤمنين نسخت بآية النساء قوله تعالى : { وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره }{[4957]} [ النساء : 140 ] وكذلك أيضاً من قال أولاً :«إن الإباحة كانت بحسب العبادات » يقول إن هذه الآية التي في النساء ناسخة لذلك إذ هي مدنية ، والإشارة بقوله : { وقد نزل } [ النساء : 140 ] إليها بنفسها فتأمله ، وإلا فيجب أن يكون الناسخ غيرها ، و { ذكرى } على هذا القول يحتمل أن يكون ذكر وهم ذكرى ، ويحتمل ولكن أعرضوا متى أعرضتم في غير وقت العبادة ذكرى ، و { ذكرى } على كل قول يحتمل أن تكون في موضع نصب بإضمار فعل أو رفع وإضمار مبتدأ ، وينبغي للمؤمن أن يمتثل حكم هذه الآية مع الملحدين وأهل الجدال والخوض فيه ، حكى الطبري عن أبي جعفر أنه قال : لا تجالسوا أهل الخصومات فإنهم الذين يخوضون في آيات الله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.