المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ذُرِّيَّةَ مَنۡ حَمَلۡنَا مَعَ نُوحٍۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَبۡدٗا شَكُورٗا} (3)

3- أنتم - أيها الإسرائيليون - ذرية المخلصين الذين كانوا مع نوح في الفلك بعد إيمانهم ، ونجيناهم من الغرق . اجعلوا نوحاً قدوتكم كما جعله أسلافكم ، فإنه كان عبداً كثير الشكر لله على نعمته .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ذُرِّيَّةَ مَنۡ حَمَلۡنَا مَعَ نُوحٍۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَبۡدٗا شَكُورٗا} (3)

قوله تعالى : { ذرية من حملنا } ، قال مجاهد : هذا نداء ، يعني : يا ذرية من حملنا ، { مع نوح } ، في السفينة فأنجيناهم من الطوفان ، { إنه كان عبداً شكوراً } ، كان نوح عليه السلام إذا أكل طعاماً أو شرب شراباً أو لبس ثوباً قال : الحمد لله فسمي عبداً شكوراً ، أي : كثير الشكر .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ذُرِّيَّةَ مَنۡ حَمَلۡنَا مَعَ نُوحٍۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَبۡدٗا شَكُورٗا} (3)

{ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ } أي : يا ذرية من مننا عليهم وحملناهم مع نوح ، { إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا } ففيه التنويه بالثناء على نوح عليه السلام بقيامه بشكر الله واتصافه بذلك والحث لذريته أن يقتدوا به في شكره ويتابعوه عليه ، وأن يتذكروا نعمة الله عليهم إذ{[467]}  أبقاهم واستخلفهم في الأرض وأغرق غيرهم .


[467]:- في النسختين: إذا.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ذُرِّيَّةَ مَنۡ حَمَلۡنَا مَعَ نُوحٍۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَبۡدٗا شَكُورٗا} (3)

{ ذرية من حملنا مع نوح } نصب على الاختصاص أو النداء أن قرى " أن لا تتخذوا " بالتاء على النهي يعني : قلنا لهم لا تتخذوا من دوني وكيلا ، أو على أنه أحد مفعولي { لا تتخذوا } و{ من دوني } حال من { وكيلا } فيكون كقوله : { ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً } وقرئ بالرفع على انه خبر مبتدأ محذوف أو بدل من واو { تتخذوا } ، و{ ذرية } بكسر الذال . وفيه تذكير بإنعام الله تعالى عليهم في إنجاء آبائهم من الغرق بحملهم مع نوح عليه السلام في السفينة . { إنه } إن نوحا عليه السلام . { كان عبدا شكورا } يحمد الله تعالى على مجامع حالاته ، وفيه إيماء بأن إنجاءه ومن معه كان ببركة شكره ، وحث للذرية على الاقتداء به . وقيل الضمير لموسى عليه الصلاة والسلام .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ذُرِّيَّةَ مَنۡ حَمَلۡنَا مَعَ نُوحٍۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَبۡدٗا شَكُورٗا} (3)

وقرأ جمهور الناس «ذُرية » بضم الذال وقرأ مجاهد بفتحها ، وقرأ زيد بن ثابت وأبان بن عثمان ومجاهد أيضاً بكسرها ، وكل هذا بشد الراء والياء ، ورويت عن زيد بن ثابت بفتح الذال وتسهيل الراء وشد الياء على وزن فعيلة ، و { ذرية } وزنها فعولة ، أصلها ذرورة ، أبدلت الراء الثانية ياء كما قالوا قصيت شعري أي قصصته ، ثم قلبت الواو ياء وأدغمت ثم كسرت الراء لتناسب الياء ، وكل هؤلاء قرؤوا { ذرية } بالنصب ، وذلك متجه إما على المفعول ب «يتخذوا » ويكون المعنى أن لا يتخذ بشر إلهاً من دون الله ، وإما على النداء أي يا ذرية ، فهذه مخاطبة للعالم ، قال قوم : وهذا لا يتجه إلا على قراءة من قرأ «تتخذوا » بالتاء من فوق ، ولا يجوز على قراءة من قرأ «ويتخذوا » بالياء لأن الفعل الغائب والنداء لمخاطب والخروج من الغيبة إلى الخطاب إنما يستسهل مع دلالة الكلام على المراد ، وفي النداء لا دلالة إلا على التكلف ، وإما على النصب بإضمار أعني وذلك متجه على القراءتين على ضعف النزعة في إضمار أعني ، وإما على البدل من قوله { وكيلاً } وهذا أيضاً فيه تكلف ، وقرأت فرقة «ذريةٌ » بالرفع على البدل من الضمير المرفوع في «يتخذوا » وهذا إنما يتوجه على القراءة بالياء ، ولا يجوز على القراءة بالتاء لأنك لا تبدل من ضمير مخاطب لو قلت : ضربتك زيداً على البدل لم يجز ، وقوله : { ذرية من حملنا مع نوح } إنما عبر بهذه العبارة عن الناس الذين عناهم في الآية بحسب الخلاف المذكور لأن في هذه العبارة تعديد النعمة على الناس في الإنجاء المؤدي إلى وجودهم ، ويقبح الكفر والعصيان مع هذه النعمة ، والذين حملوا مع نوح وأنسلوا هم بنوه لصلبه لأنه آدم الأصغر ، وكل من على الأرض اليوم من نسله هذا قول الجمهور ذكره الطبري عن قتادة ومجاهد وإن كان معه غيرهم فلم ينسل قال النقاش : اسم نوح عبد الجبار ، وقال ابن الكلبي : اسمه فرج ، ووصفه ب «الشكر » لأنه كان يحمد الله في كل حال وعلى كل نعمة على المطعم والمشرب والملبس والبراز وغير ذلك صلى الله عليه وسلم ، قاله سلمان الفارسي وسعيد بن مسعود وابن أبي مريم وقتادة ،

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ذُرِّيَّةَ مَنۡ حَمَلۡنَا مَعَ نُوحٍۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَبۡدٗا شَكُورٗا} (3)

يجوز أن يكون اعتراضاً في آخر الحكاية ليس داخلاً في الجملة التفسيرية . فانتصاب { ذريّةَ } على الاختصاص لزيادة بيان بني إسرائيل بياناً مقصوداً به التعريض بهم إذ لم يشكروا النعمة . ويجوز أن يكون من تمام الجملة التفسيرية ، أي حال كونكم ذرية من حملنا مع نوح عليه السلام ، أو ينتصب على النداء بتقدير حرف النداء ، أي يا ذرية من حملنا مع نوح ، مقصوداً به تحريضهم على شكر نعمة الله واجتناب الكفر به باتخاذ شركاء دونه .

والحمل وضع شيء على آخر لنقله ، والمراد الحمل في السفينة كما قال : { حملناكم في الجارية } [ الحاقة : 11 ] ، أي ذرّيّة من أنجيناهم من الطوفان مع نوح عليه السلام .

وجملة { إنه كان عبدا شكوراً } مفيدة تعليل النهي عن أن يتخذوا من دون الله وكيلاً ، لأن أجدادهم حملوا مع نوح بنعمة من الله عليهم لنجاتهم من الغرق وكان نوح عبداً شكوراً والذين حملوا معه كانوا شاكرين مثله ، أي فاقتدوا بهم ولا تكفروا نعم الله .

ويحتمل أن تكون هذه الجملة من تمام الجملة التفسيرية فتكون مما خاطب الله به بني إسرائيل ، ويحتمل أنها مذيلة لجملة { وآياتنا موسى الكتاب } فيكون خطاباً لأهل القرآن .

واعلم أن في اختيار وصفهم بأنهم ذرية من حمل مع نوح عليه السلام معاني عظيمة من التذكير والتحريض والتعريض لأن بني إسرائيل من ذرية سام بن نوح وكان سام ممن ركب السفينة .

وإنما لم يقل ذرية نوح مع أنهم كذلك قصداً لإدماج التذكير بنعمة إنجاء أصولهم من الغرق .

وفيه تذكير بأن الله أنجى نوحاً ومن معه من الهلاك بسبب شكره وشكرهم تحريضاً على الائتساء بأولئك .

وفيه تعريض بأنهم إن أشركوا ليُوشكن أن ينزل بهم عذاب واستئصال ، كما في قوله : { قيل يا نوح اهبِطْ بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنُمتعهم ثم يَمَسُّهُمْ منا عذابٌ أليم } [ هود : 48 ] .

وفيه أن ذرية نوح كانوا شقين شق بار مطيع ، وهم الذين حملهم معه في السفينة ، وشق متكبر كافر وهو ولده الذي غرق ، فكان نوح عليه السلام مثلاً لأبي فريقين ، وكان بنو إسرائيل من ذرية الفريق البار ، فإن اقتدوا به نَجُوا وإن حادوا فقد نزعوا إلى الفريق الآخر فيوشك أن يهلكوا . وهذا التماثل هو نكتة اختيار ذكر نوح من بين أجدادهم الآخرين مثل إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب عليهم السلام ، لفوات هذا المعنى في أولئك . وقد ذكر في هذه السورة استئصال بني إسرائيل مرتين بسبب إفسادهم في الأرض وعلوهم مرتين وأن ذلك جزاء إهمالهم وعْدَ اللّهِ نوحاً عليه السلام حينما نجاه .

وتأكيد كون نوح { كان عبداً شكوراً } بحرف ( إنّ ) تنزيل لهم منزلة من يجهل ذلك ؛ إما لتوثيق حملهم على الاقتداء به إن كانت الجملة خطاباً لبني إسرائيل من تمام الجملة التفسيرية ، وإما لتنزيلهم منزلة من جهل ذلك حتى تورطوا في الفساد فاستأهلوا الاستئصال وذهاب ملكهم ، لينتقل منه إلى التعريض بالمشركين من العرب بأنهم غير مقتدين بنوح لأن مثلهم ومثل بني إسرائيل في هذا السياق واحد في جميع أحوالهم ، فيكون التأكيد منظوراً فيه إلى المعنى التعريضي .

ومعنى كون نوح { عبداً } أنه معترف لله بالعبودية غير متكبر بالإشراك ، وكونه { شكوراً } ، أي شديداً لشكر الله بامتثال أوامره . وروي أنه كان يكثر حمد الله .

والاقتداء بصالح الآباء مجبولة عليه النفوس ومحل تنافس عند الأمم بحيث يعد خلاف ذلك كمثير للشك في صحة الانتساب .

وكان نوح عليه السلام مثلاً في كمال النفس وكانت العرب تعرف ذلك وتنبعث على الاقتداء به . قال النابغة :

فألفيت الأمانة لم تخنها *** كذلك كان نوح لا يخون