السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ذُرِّيَّةَ مَنۡ حَمَلۡنَا مَعَ نُوحٍۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَبۡدٗا شَكُورٗا} (3)

وقوله تعالى : { ذرية } نصب على الاختصاص في قراءة أبي عمرو وعلى النداء عند الباقين أي : يا ذرّية { من حملنا } أي : في السفينة بعظمتنا على ظهر ذلك الماء الذي طبق ما تحت أديم السماء ونبه تعالى على شرفهم وتمام نعمتهم بقوله تعالى : { مع نوح } ففي ذلك تذكير بإنعام الله تعالى عليهم وإنجاء آبائهم من الغرق بحملهم مع نوح في السفينة . قال قتادة : الناس كلهم من ذرّية نوح لأنه كان معه في السفينة ثلاث بنين سام وحام ويافث ، فالناس كلهم من ذرّية أولئك . قال البقاعي : لأنّ الصحيح أنّ من كان معه من غير ذرّيته ماتوا ولم يعقبوا ولم يقل ذرّية نوح ليعلم أنهم عقب أولاده المؤمنين لتكون تلك منة أخرى .

ثم إنه تعالى أثنى على نوح حثاً على الاقتداء به في التوحيد كما اقتدى به آباؤهم في ذلك بقوله تعالى : { إنه كان عبداً شكوراً } أي : مبالغاً في الشكر الذي هو صرف العبد جميع ما أنعم الله تعالى به عليه لما خلق له . روي أنه عليه الصلاة السلام كان إذا أكل قال : «الحمد لله الذي أطعمني ، ولو شاء أجاعني » وفي رواية «أنه يسمي إذا أكل ويحمد إذا فرغ ، وإذا شرب قال : الحمد لله الذي سقاني ولو شاء أظمأني . وإذا اكتسى قال : الحمد لله الذي كساني ولو شاء أعراني . وإذا احتذى قال : الحمد لله الذي حداني ولو شاء أحفاني . وإذا قضى حاجته قال : الحمد لله الذي أخرج عني أذاه في عافية ولو شاء حبسه » . وفي رواية أنه كان يقول : «الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى منفعته في جسدي وأخرج عني أذاه » . وفي رواية : أنه كان إذا أراد الإفطار عرض طعامه على من مرّ به فإن وجده محتاجاً آثره به .