قوله تعالى : { كلا } ، أي ليس الأمر كما زعموا ، { سيكفرون بعبادتهم } ، أي تجحد الأصنام والآلهة التي كانوا يعبدونها عبادة المشركين ويتبرؤون منهم ، كما أخبر الله تعالى { تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون } [ القصص : 63 ] . { ويكونون عليهم ضداً } أي أعداءً لهم ، وكانوا أولياءهم في الدنيا . وقيل : أعواناً عليهم يكذبونهم ويلعنونهم .
ثم أخبر أنه ليس الأمر كما زعموا ، ولا يكون ما طمعوا ، فقال : { كَلا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ } أي : يوم القيامة { وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا } أي : بخلاف ما ظنوا فيهم ، كما قال تعالى : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ . وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ{[19125]} } [ الأحقاف : 5 ، 6 ]
وقرأ أبو نَهِيك : " كلّ سيكفرون بعبادتهم " .
وقال السدي{[19126]} : { كَلا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ } أي : بعبادة الأوثان . وقوله : { وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا } أي : بخلاف ما رَجَوا منهم .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا } قال : أعوانًا .
قال مجاهد : عونًا عليهم ، تُخَاصِمُهم وتُكَذّبهم .
وقال العوفي ، عن ابن عباس : { وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا } قال : قرناء .
وقال قتادة : قرناء في النار ، يلعن بعضهم بعضًا ، ويكفر بعضهم ببعض .
وقال السدي : { وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا } قال : الخصماء الأشداء في الخصومة .
وقال الضحاك : { وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا } قال : أعداء .
الضميران في قوله : { سيكفرون ويَكونون يجوز أن يَكونا عائدين إلى آلهة ، أي سينكر الآلهةُ عبادةَ المشركين إيّاهم ، فعبر عن الجحود والإنكار بالكفر ، وستكون الآلهة ذُلاّ ضد العزّ .
والأظهر أن ضمير { سيكفرون } عائد إلى المشركين ، أي سيكفر المشركون بعبادة الآلهة فيكون مقابل قوله { واتخذوا من دون الله آلهة } . وفيه تمام المقابلة ، أي بَعد أن تكلفوا جعلهم آلهةً لهم سيكفرون بعبادتهم ، فالتعبير بفعل { سيكفرون } يرجح هذا الحمل لأن الكفر شائع في الإنكار الاعتقادي لا في مطلق الجحود ، وأن ضمير { يكونون } للآلهة وفيه تشتيت الضمائر . ولا ضير في ذلك إذ كان السياق يُرجع كلاً إلى ما يناسبه ، كقول عباس بن مرداس :
عُدنا ولولا نحن أحدق جمعهم *** بالمسلمين وأحرزوا ما جَمّعوا
أي : وأحرز جَمْع المشركين ما جمّعه المسلمون من الغنائم .
ويجوز أن يكون ضميرا { سيكفرون } و{ يكونون } راجعين إلى المشركين . وأن حرف الاستقبال للحصول قريباً ، أي سيكفر المشركون بعبادة الأصنام ويدخلون في الإسلام ويكونون ضداً على الأصنام يهدمون هياكلها ويلعنونها ، فهو بشارة للنبيء بأن دينه سيظهر على دين الكفر . وفي هذه المقابلة طباق مرتين .
والضد : اسم مصدر ، وهو خلاف الشيء في الماهية أو المعاملة . ومن الثاني تسمية العدو ضدّاً . ولكونه في معنى المصدر لزم في حال الوصف به حالة واحدة بحيث لا يطابق موصوفه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.