الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{كَلَّاۚ سَيَكۡفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمۡ وَيَكُونُونَ عَلَيۡهِمۡ ضِدًّا} (82)

{ كَلاَّ } ردع لهم وإنكار لتعززهم بالآلهة . وقرأ ابن نهيك «كلا » { سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ } أي سيجحدون كلا سيكفرون بعبادتهم ، كقولك : زيداً مررت بغلامه . وفي محتسب ابن جني : كلا بفتح الكاف والتنوين ، وزعم أن معناه كل هذا الرأي والاعتقاد كلا . ولقائل أن يقول : إن صحت هذه الرواية فهي ( كلا ) التي هي للردع ، قلب الواقف عليها ألفها نوناً كما في قواريراً . والضمير في { سَيَكْفُرُونَ } للآلهة ، أي : سيجحدون عبادتهم وينكرونها ويقولون : والله ما عبدتمونا وأنتم كاذبون . قال الله تعالى : { وَإِذَا رَءا الذين أَشْرَكُواْ شُرَكَآءهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هؤُلآءِ شُرَكَآؤُنَا الذين كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ القول إِنَّكُمْ لكاذبون } [ النحل : 86 ] أو للمشركين : أي ينكرون لسوء العاقبة أن يكونوا قد عبدوها . قال الله تعالى : { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] { عَلَيْهِمْ ضِدّاً } في مقابلة { لَهُمْ عِزّاً } والمراد ضدّ العز وهو الذل والهوان ، أي : يكونون عليهم ضداً لما قصدوه وأرادوه ، كأنه قيل : ويكونون عليهم ذلاً ، لا لهم عزاً أو يكونون عليهم عوناً ، والضدّ : العون . يقال من أضدادكم : أي أعوانكم وكأن العون سمي ضداً لأنه يضادّ عدوّك وينافيه بإعانته لك عليه .

فإن قلت : لم وحد ؟ قلت : وحد توحيده قوله عليه الصلاة والسلام : " وهم يدٌ على من سواهم " لاتفاق كلمتهم ، وأنهم كشيء واحد لفرط تضامهم وتوافقهم ومعنى كون الآلهة عوناً عليهم : أنهم وقود النار وحَصَبُ جهنم ، ولأنهم عذبوا بسبب عبادتها وإن رجعت الواو في سيكفرون ويكونون إلى المشركين ، فإن المعنى : ويكونون عليهم - أي أعداءهم - ضداً ، أي : كفرة بهم ، بعد أن كانوا يعبدونها .