إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{كَلَّاۚ سَيَكۡفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمۡ وَيَكُونُونَ عَلَيۡهِمۡ ضِدًّا} (82)

{ كَلاَّ } ردعٌ لهم عن ذلك الاعتقادِ وإنكارٌ لوقوع ما علّقوا به أطماعَهم الفارغة { سَيَكْفُرُونَ بعبادتهم } أي ستجحد الآلهةُ بعبادتهم لها بأن يُنطِقَها الله تعالى وتقولَ : ما عبدتمونا ، أو سينكر الكفرةُ حين شاهدوا سوءَ عاقبة كفرهم عبادتَهم لها كما في قوله تعالى : { والله رَبّنَا مَا كُنا مُشْرِكِينَ } ومعنى قوله تعالى : { وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } على الأول تكون الآلهةُ التي كانوا يرجون أن تكون عِزاً ضدّاً للعز أي ذلاً وهُوناً ، أو تكون عوناً عليهم وآلةً لعذابهم حيث تُجعل وَقودَ النار وحصَبَ جهنم ، أو حيث كانت عبادتُهم لها سبباً لعذابهم ، وإطلاقُ الضدِّ على العَون لما أن عَونَ الرجل يُضادُّ عدوَّه وينافيه بإعانته له عليه ، وعلى الثاني يكون الكفرةُ ضداً وأعداءً للآلهة كافرين بها بعد أن كانوا يحبونها كحب الله ويعبُدونها . وتوحيدُ الضدِّ لوَحدة المعنى الذي عليه تدور مُضادّتُهم فإنهم بذلك كشيء واحدٍ كما في قوله عليه السلام : « وهم يدٌ على مَنْ سواهم » وقرئ كَلاًّ بفتح الكاف والتنوين على قلب الألفِ نوناً في الوقف قلْبَ ألفِ الإطلاق في قوله : [ الوافر ]

أقِليِّ اللومَ عاذِلَ والعِتابَن *** وقولي إن أصبتُ لقد أصابنْ{[533]}

أو على معنى كَلَّ هذا الرأيُ كلاًّ ، وقرئ كلاّ على إضمار فعل يفسّره ما بعده أي سيجحدون ، كلاّ سيكفرون الخ .


[533]:البيت لجرير في ديوانه ص 813؛ وخزانة الأدب 1/69؛ والخصائص 2/6؛ والدرر 5/176؛ وشرح أبيات سيبويه 2/348؛ وسر صناعة الإعراب ص 471؛ وشرح الأشموني 1/12، وشرح شواهد المغني 2/762؛ وشرح المفصل 9/29؛ والكتاب 4/205؛ والمقاصد النحوية 1/91؛ وهمع الهوامع 2/80.