البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{كَلَّاۚ سَيَكۡفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمۡ وَيَكُونُونَ عَلَيۡهِمۡ ضِدًّا} (82)

الضد : العون يقال : من أضدادكم أي أعوانكم ، وكان العون سمي ضداً لأنه يضاد عدوك وينافيه بإعانته لك عليه

{ كلا } قال الزمخشري : { كلا } ردع لهم وإنكار لتعززهم بالآلهة .

وقرأ ابن نهيك { كلا سيكفرون بعبادتهم } أي سيجحدون { كلا سيكفرون بعبادتهم } كقولك : زيد مررت بغلامه وفي محتسب ابن جنيّ { كلا } بفتح الكاف والتنوين ، وزعم أن معناه كل هذا الرأي والاعتقاد كلاً ، ولقائل أن يقول إن صحت هذه الرواية فهي { كلا } التي للردع قلب الواقف عليها ألفها نوناً كما في قواريراً انتهى .

فقوله وقرأ ابن نهيك الذي ذكر ابن خالويه وصاحب اللوامح وابن عطية وأبو نهيك بالكنية وهو الذي يحكى عنه القراءة في الشواذ وأنه قرأ { كلا } بفتح الكاف والتنوين وكذا حكاه عنه أبو الفتح .

وقال ابن عطية وهو يعني { كلا } نعت للآلهة قال : وحكى عنه أي عن أبي نهيك أبو عمرو الداني { كلا } بضم الكاف والتنوين وهو منصوب بفعل مضمر يدل عليه { سيكفرون } تقديره يرفضون أو يتركون أو يجحدون أو نحوه .

وأما قول الزمخشري ولقائل أن يقول إلى آخره فليس بجيد لأنه قال إنها التي للردع ، والتي للردع حرف ولا وجه لقلب ألفها نوناً وتشبيهه بقواريراً ليس بجيد لأن قواريراً اسم رجع به إلى أصله ، فالتنوين ليس بدلاً من ألف بل هو تنوين الصرف .

وهذا الجمع مختلف فيه أيتحتم منع صرفه أم يجوز ؟ قولان ، ومنقول أيضاً أنه لغة للعرب يصرفون ما لا ينصرف عند غيرهم ، فهذا التنوين إما على قول من لا يرى بالتحتم أو على تلك اللغة .

وذكر الطبري عن أبي نهيك أنه قرأ كل بضم الكاف ورفع اللام ورفعه على الابتداء والجملة بعده الخبر ، وتقدم ظاهر وهو الآلهة وتلاه ضمير في قوله ليكونوا فالأظهر أن الضمير في { سيكفرون } عائد على أقرب مذكور محدث عنه .

فالمعنى أن الآلهة سيجحدون عبادة هؤلاء إياهم كما قال : { وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم } وفي آخرها { فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون }

وتكون { آلهة } هنا مخصوصاً بمن يعقل ، أو يجعل الله للآلهة غير العاقلة إدراكاً تنكر به عبادة عابديه .

ويجوز أن يكون الضمير للمشركين ينكرون لسوء العاقبة أن يكونوا كما قالوا { والله ربنا ما كنا مشركين } لكن قوله { ويكونون } يرجح القول الأول لاتساق الضمائر لواحد ، وعلى القول الآخر يختلف الضمائر إذ يكون في { سيكفرون } للمشركين وفي { يكونون } للآلهة .

ومعنى { ضداً } أعواناً قاله ابن عباس .

وقال الضحاك : أعداءً .

وقال قتادة : قرناء .

وقال ابن زيد : بلاءً .

وقال ابن عطية : معناه يجيئهم منه خلاف ما كانوا أمّلوه فيؤول بهم ذلك إلى ذلة ضد ما أملوه من العز ، فالضد هنا مصدر وصف به الجمع كما يوصف به الواحد .

وقال الزمخشري : والضد العون وحد توحيد وهم يد على من سواهم لإتفاق كلمتهم وأنهم كشيء واحد لفرط تضامنهم وتوافقهم ، ومعنى كونهم عوناً عليهم أنهم وقود النار وحصب جهنم ولأنهم عذبوا بسبب عبادتهم .