{ لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ } أي : ليست الشفاعة ملكهم ، ولا لهم منها شيء ، وإنما هي لله تعالى { قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا } وقد أخبر أنه لا تنفعهم شفاعة الشافعين ، لأنهم لم يتخذوا عنده عهدا بالإيمان به وبرسله ، وإلا فمن اتخذ عنده عهدا فآمن به وبرسله واتبعهم ، فإنه ممن ارتضاه الله ، وتحصل له الشفاعة كما قال تعالى : { وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى } وسمى الله الإيمان به واتباع رسله عهدا ، لأنه عهد في كتبه وعلى ألسنة رسله ، بالجزاء الجميل لمن اتبعهم .
{ لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ } أي : ليس لهم من يشفع لهم ، كما يشفع المؤمنون بعضهم لبعض ، كما قال تعالى مخبرًا عنهم : { فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ } [ الشعراء : 100 ، 101 ]
وقوله : { إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا } : هذا استثناء منقطع ، بمعنى : لكن من اتخذ عند الرحمن عهدًا ، وهو شهادة أن لا إله إلا الله ، والقيام بحقها .
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا } قال : العهد : شهادة أن لا إله إلا الله ، ويبرأ إلى الله من الحول والقوة ، ولا يرجو إلا الله ، عز وجل .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا عثمان بن خالد الواسطي ، حدثنا محمد بن الحسن الواسطي ، عن المسعودي ، عن عون بن عبد الله ، عن أبي فاخِتَةَ ، عن الأسود بن يزيد قال : قرأ عبد الله - يعني ابن مسعود - هذه الآية : { إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا } ثم قال : اتخذوا عند الله عهدًا ، فإن الله يقول يوم القيامة : " من كان له عند الله عهد فليقم " قالوا : يا أبا عبد الرحمن ، فَعلمنا . قال : قولوا : اللهم ، فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، فإني أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا أنك إن تكلني إلى عمل تقربني من الشر وتباعدني{[19144]} من الخير ، وإني لا أثق إلا برحمتك ، فاجعل{[19145]} لي عندك عهدًا تُؤدّيه إلي يوم القيامة ، إنك لا تخلف الميعاد .
قال المسعودي : فحدثني زكريا ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، أخبرنا ابن مسعود : وكان يُلْحِقُ بهن : خائفًا مستجيرًا مستغفرًا ، راهبًا راغبًا إليك{[19146]} .
{ لا يملكون الشفاعة } الضمير فها للعباد المدلول عليها بذكر القسمين وهو الناصب لليوم . { إلا من اتخذ عند الرحمان عهدا } إلا من تحلى بما يستعد به ويستأهل أن يشفع للعصاة من الإيمان والعمل الصالح على ما وعد الله تعالى ، أو إلا من اتخذ من الله إذنا فيها كقوله تعالى : { لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمان } من قولهم : عهد الأمير إلى فلان بكذا إذا أمره به ، ومحله الرفع على البدل من الضمير أو النصب على تقدير مضاف أي إلا شفاعة من اتخذ ، أو على الاستثناء . وقيل الضمير للمجرمين والمعنى : لا يملكون الشفاعة فيهم إلا من اتخذ عند الرحمان عهدا يستعد به أن يشفع له بالإسلام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.