مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{لَّا يَمۡلِكُونَ ٱلشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحۡمَٰنِ عَهۡدٗا} (87)

أما قوله : { لا يملكون الشفاعة } أي فليس لهم والظاهر أن المراد شفاعتهم لغيرهم أو شفاعة غيرهم لهم فلذلك اختلفوا ، وقال بعضهم : لا يملكون أن يشفعوا لغيرهم كما يملك المؤمنون وقال بعضهم : بل المراد لا يملك غيرهم أن يشفعوا لهم وهذا الثاني أولى لأن حمل الآية على الأول يجري مجرى إيضاح الواضحات وإذا ثبت ذلك دلت الآية على حصول الشفاعة لأهل الكبائر لأنه قال عقيبه : { إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا } والتقدير أن هؤلاء لا يستحقون أن يشفع لهم غيرهم إلا إذا كانوا قد اتخذوا عند الرحمن عهدا التوحيد والنبوة فوجب أن يكون داخلا تحته ومما يؤكد قولنا : ما روى ابن مسعود أنه عليه السلام قال لأصحابه ذات يوم :« أيعجز أحدكم أن يتخذ كل صباح ومساء عند الله عهدا ؟ قالوا : وكيف ذلك ؟ قال : يقول كل صباح ومساء اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة إني أعهد إليك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك فإنك إن تكلني إلى نفسي تقربني من الشر وتبعدني من الخير وإني لا أثق إلا برحمتك فاجعل لي عهدا توفينيه يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد . فإذا قال ذلك طبع الله عليه بطابع ووضع تحت العرش فإذا كان يوم القيامة نادى مناد أين الذين لهم عند الرحمن عهد فيدخلون الجنة » ، فظهر بهذا الحديث أن المراد من العهد كلمة الشهادة وظهر وجه دلالة الآية على أن الشفاعة لأهل الكبائر وقال القاضي : الآية دالة على مذهبه وقد ظهر أن الآية قوية في الدلالة على قولنا ، والله أعلم .