السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لَّا يَمۡلِكُونَ ٱلشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحۡمَٰنِ عَهۡدٗا} (87)

وقوله تعالى : { لا يملكون الشفاعة } الضمير فيه للعباد المدلول عليهم بذكر المتقين والمجرمين وقيل للمتقين وقيل : للمجرمين وقوله تعالى : { إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً } استثناء متصل على القولين الأوّلين ، منقطع على الثالث والمعنى أنّ الشافعين لا يشفعون إلا لمن اتخذ عند الرحمن عهداً كقوله تعالى : { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } [ الأنبياء ، 28 ] ويدخل في ذلك أهل الكبائر من المسلمين إذ كل من اتخذ عند الرحمن عهداً وجب دخوله فيه وصاحب الكبيرة اتخذ عند الرحمن عهداً وهو التوحيد فوجب دخوله تحته ويؤيده ما روى عن ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه ذات يوم : «أيعجز أحدكم أن يتخذ عند كل صباح ومساء عند الله عهداً قالوا : وكيف ذلك قال : يقول كل صباح ومساء : اللهمّ فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة إني أعهد إليك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأنّ محمداً عبدك ورسولك فلا تكلني إلى نفسي فإنك إن تكلني إلى نفسي تقربني من الشر وتباعدني من الخير وإني لا أثق إلا برحمتك فاجعل لي عندك عهد توفينيه يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد ، فإذا قال ذلك طبع الله عليه بطابع ووضع تحت العرش فإذا كان يوم القيامة نادى مناد أين الذين لهم عند الرحمن عهد فيدخلون الجنة » فظهر أنّ المراد من العهد كلمة الشهادة وظهر وجه الدلالة على ثبوت الشفاعة لأهل الكبائر .