فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَّا يَمۡلِكُونَ ٱلشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحۡمَٰنِ عَهۡدٗا} (87)

{ لا يملكون الشفاعة } جملة مستأنفة لبيان بعض ما يكون في ذلك اليوم من الأمور ؛ والضمير راجع إلى الفريقين . وقيل للمتقين خاصة وقيل للمجرمين خاصة والأول أولى ، والمعنى أنهم لا يملكون أن يشفعوا لغيرهم .

وقيل لا يملك غيرهم أن يشفع لهم . والأول أولى .

{ إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا } هذا الاستثناء متصل على الوجه الأول ، أي لا يملك الفريقان المذكوران الشفاعة إلا من تحل واستأهل واستعد لذلك بما يصير به من جملة الشافعين لغيرهم ، بأن يكون مؤمنا متقيا ، فهذا معنى اتخاذ العهد عند الله . وقيل معناه أن الله أمره بذلك ، كقولهم : عهد الأمير إلى فلان بكذا إذا أمره به . وقال ابن عباس :شهادة أن لا إله إلا الله ويبرأ من الحول والقوة ولا يرجو إلا الله . وعنه قال : " من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة " وقيل غير ذلك .

وأما على الوجه الثاني فالاستثناء منقطع لأن التقدير لا يملك المجرمون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ، وهم المسلمون والأول أوجه ، وبه جزم البيضاوي كالكشاف . وقيل متصل على هذا الوجه أيضا ، والتقدير لا يملك المجرمون الشفاعة إلا من كان منهم مسلما ، ودلت الآية على حصول الشفاعة لأهل الكبائر .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أدخل على المؤمنين سرورا فقد سرني ، ومن سرني فقد اتخذ عند الرحمن عهدا فلا تمسه النار ، إن الله لا يخلف الميعاد ) .

وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من جاء بالصلوات الخمس يوم القيامة قد حافظ على وضوئها ومواقيتها وركوعها وسجودها لم ينقص منها شيئا ، جاء وله عهد عند الله أن لا يعذبه ، ومن جاء قد انتقص منها شيئا فليس له عند الله عهد إن شاء رحمه وإن شاء عذبه ) .