قوله تعالى : { وإذ آتينا موسى الكتاب } . يعني التوراة .
قوله تعالى : { والفرقان } . قال مجاهد : هو التوراة أيضاً ذكرها باسمين ، وقال الكسائي : الفرقان نعت الكتاب والواو زائدة ، يعني : الكتاب الفرقان . أي المفرق بين الحلال والحرام ، وقال يمان بن ريان : أراد بالفرقان انفراق البحر . كما قال ( وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم ) .
وقوله : { وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ } يعني : التوراة { وَالْفُرْقَانَ } وهو ما يَفْرق بين الحق والباطل ، والهدى والضلال { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } وكان ذلك - أيضا - بعد خروجهم من البحر ، كما دل عليه سياق الكلام في سورة الأعراف . ولقوله{[1740]} تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } [ القصص : 43 ] .
وقيل : الواو زائدة ، والمعنى : ولقد آتينا موسى الكتاب والفرقان وهذا غريب ، وقيل : عطف عليه وإن كان المعنى واحدًا ، كما في قول الشاعر :
وقدمت الأديم لراهشيه *** فألفى قولها كذبًا ومينا
ألا حبذا هند وأرض بها هند *** وهند أتى من دونها النأي والبعد .
فالكذب هو المين ، والنأي : هو البعد . وقال عنترة :
{ وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ }
يعني بقوله : وَإذْ آتَيْنَا مُوسَى الكِتابَ واذكروا أيضا إذ آتينا موسى الكتاب والفرقان . ويعني بالكتاب : التوراة ، وبالفرقان : الفصل بين الحقّ والباطل . كما :
حدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا آدم قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله : وَإذْ آتَيْنَا مُوسَى الكِتابَ والفُرْقانَ قال : فرق به بين الحقّ والباطل .
حدثني محمد بن عمرو الباهلي ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : وَإذْ آتَيْنَا مُوسَى الكِتابَ وَالفُرْقانَ قال : الكتاب : هو الفرقان ، فرقان بين الحق والباطل .
حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
وحدثني القاسم بن الحسن ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : وَإذْ آتَيْنَا مُوسَى الكِتابَ وَالفُرْقان قال : الكتاب : هو الفرقان ، فرق بين الحقّ والباطل .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : وقال ابن عباس : الفرقان : جماع اسم التوراة والإنجيل والزبور والفرقان .
حدثني به يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سألته ، يعني ابن زيد ، عن قول الله عز وجل : وَإذْ آتَيْنَا مُوسى الكتابَ والفُرْقانَ فقال : أما الفرقان الذي قال الله جل وعز : يَوْمَ الفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعانِ فذلك يوم بدر ، يوم فرق الله بين الحق والباطل ، والقضاءُ الذي فرق به بين الحق والباطل . قال : فكذلك أعطى الله موسى الفرقان ، فرق الله بينهم ، وسلمه الله وأنجاه ، فرق بينهم بالنصر ، فكما جعل الله ذلك بين محمد والمشركين ، فكذلك جعله بين موسى وفرعون .
قال أبو جعفر : وأولى هذين التأويلين بتأويل الآية ما رُوي عن ابن عباس وأبي العالية ومجاهد ، من أن الفرقان الذي ذكر الله أنه آتاه موسى في هذا الموضع هو الكتاب الذي فرق به بين الحقّ والباطل ، وهو نعت للتوراة وصفة لها . فيكون تأويل الآية حينئذ : وإذ آتينا موسى التوراة التي كتبناها له في الألواح ، وفرقنا بها بين الحقّ والباطل . فيكون الكتاب نعتا للتوراة أقيم مقامها استغناءً به عن ذكر التوراة ، ثم عطف عليه بالفرقان ، إذ كان من نعتها . وقد بينا معنى الكتاب فيما مضى من كتابنا هذا ، وأنه بمعنى المكتوب . وإنما قلنا هذا التأويل أولى بالآية وإن كان محتملاً غيره من التأويل ، لأن الذي قبله ذكر الكتاب ، وأن معنى الفرقان الفصل ، وقد دللنا على ذلك فيما مضى من كتابنا هذا ، فإلحاقه إذ كان كذلك بصفة ما وليه أَوْلى من إلحاقه بصفة ما بعد منه .
وأما تأويل قوله : لَعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ فنظير تأويل قوله تعالى : لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ ومعناه لتهتدوا . وكأنه قال : واذكروا أيضا إذ آتينا موسى التوراة التي تفرق بين الحقّ والباطل لتهتدوا بها وتتبعوا الحقّ الذي فيها لأني جعلتها كذلك هدى لمن اهتدى بها واتبع ما فيها .
{ وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان } يعني التوراة الجامع بين كونه كتابا منزلا وحجة تفرق بين الحق والباطل ، وقيل أراد بالفرقان معجزاته الفارقة بين المحق والمبطل في الدعوى ، أو بين الكفر والأيمان . وقيل الشرع الفارق بين الحلال والحرام ، أو النصر الذي فرق بينه وبين عدوه كقوله تعالى : { يوم الفرقان } يريد به يوم بدر .
{ لعلكم تهتدون } لكي تهتدوا بتدبر الكتاب والتفكر في الآيات .
وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ( 53 )
قوله تعالى : { وإذ آتينا موسى الكتاب } ، { إذ } عطف على ما ذكر من النعم ، و { الكتاب } هو التوراة بإجماع من المتأولين .
واختلف في { الفرقان } هنا فقال الزجاج وغيره هو التوراة أيضاً كرر المعنى لاختلاف اللفظ ، ولأنه زاد معنى التفرقة بين الحق والباطل ، ولفظة الكتاب لا تعطي ذلك( {[605]} ) .
وقال آخرون : { الكتاب } التوراة ، و { الفرقان } سائر الآيات التي أوتي موسى صلى الله عليه وسلم ، لأنها فرقت بين الحق والباطل .
وقال آخرون : { الفرقان } : النصر الذي فرق بين حالهم وحال آل فرعون بالنجاة والغرق .
وقال ابن زيد : «الفرقان انفراق البحر له حتى صار فرقاً » .
وقال الفراء وقطرب : معنى هذه الآية : آتينا موسى الكتاب ومحمداً الفرقان .
قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وهذا ضعيف( {[606]} ) .
و { لعلكم تهتدون } ترج وتوقع مثل الأول( {[607]} ) .