وفي هذا المجال الواسع - مجال الكون : السماوات والأرض - الذي يقف فيه الإنسان ، يأخذ السياق في استعراض خلق الله الذي سخره للإنسان ، ويبدأ بالأنعام :
( والأنعام خلقها ، لكم فيها دفء ومنافع ، ومنها تأكلون . ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون ، وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس ، إن ربكم لرؤوف رحيم ، والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ، ويخلق ما لا تعلمون ) . .
وفي بيئة كالبيئة التي نزل فيها القرآن أول مرة ، وأشباهها كثير ؛ وفي كل بيئة زراعية والبيئات الزراعية هي الغالبة حتى اليوم في العالم . . في هذه البيئة تبرز نعمة الأنعام ، التي لا حياة بدونها لبني الإنسان . والأنعام المتعارف عليها في الجزيرة كانت هي الإبل والبقر والضأن والمعز . أما الخيل والبغال والحمير فللركوب والزينة ولا تؤكل والقرآن إذ يعرض هذه النعمة هنا ينبه إلى ما فيها من تلبية لضرورات البشر وتلبية لأشواقهم كذلك : ففي الأنعام دفء من الجلود والأصواف والأوبار والأشعار ، ومنافع في هذه وفي اللبن واللحم وما إليها . ومنها تأكلون لحما ولبنا وسمنا ، وفي حمل الأثقال إلى البلد البعيد لا يبلغونه إلا بشق الأنفس .
يمتن تعالى على عباده بما خلق لهم من الأنعام ، وهي الإبل والبقر والغنم ، كما فصلها في سورة الأنعام إلى ثمانية أزواج ، وبما جعل لهم فيها من المصالح والمنافع ، من أصوافها وأوبارها وأشعارها يلبسون ويفترشون ، ومن ألبانها يشربون ، ويأكلون من أولادها ، وما لهم فيها من الجمال وهو الزينة ؛ ولهذا قال : { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ }
القول في تأويل قوله تعالى : { والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنافع تأكلون }
يقول تعالى ذكره : ومن حججه عليكم أيها الناس ما خلق لكم من الأنعام ، فسخرها لكم ، وجعل لكم من أصوافها وأوبارها وأشعارها ملابس تدفئون بها ومنافع من ألبانها وظهورها تركبونها . { ومنها تأكلون } يقول : ومن الأنعام ما تأكلون لحمه كالإبل ولبقر والغنم وسائر ما يؤكل لحمه . وحذفت " ما " من الكلام لدلالة من عليها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، وعلي بن داود ، قال المثنى أخبرنا ، وقال ابن داود : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : { والأنعام خلقها لكم فيها دفء } يقول : الثياب .
حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون } يعني بالدفء : الثياب ، والمنافع : ما ينتفعون به من الأطعمة والأشربة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ؛ وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ؛ وحدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله الله تعالى : { لكم فيها دفء } قال : لباس ينسج ، ومنها مركب ولبن ولحم .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { لكم فيها دفء } لباس ينسج ومنافع ، مركب ولحم ولبن .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن سماك عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قوله : { لكم فيها دفء ومنافع } قال : نسل كل دابة .
حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا إسرائيل بإسناده ، عن ابن عباس ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع } يقول : لكم فيها لباس ومنفعة وبلغة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، قال : قال ابن عباس : { والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون } قال : هو منافع ومآكل .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع } قال : دفء اللحف التي جعلها الله منها .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، عن ابن جريج ، قال : بلغني عن مجاهد : { والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع } قال : نتاجها وركوبها وألبانها ولحومها .
{ والأنعام } الإبل والبقر والغنم وانتصابها بمضمر يفسره . { خلقها لكم } أو بالعطف على الإنسان ، وخلقها لكم بيان ما خلقت لأجله وما بعده تفصيل له . { فيها دفء } ما يدفأ به فيقي البرد . { ومنافع } نسلها ودرها وظهورها ، وإنما عبر عنها بالمنافع ليتناول عوضها . { ومنها تأكلون } ما يؤكل منها من اللحوم والشحوم والألبان ، وتقديم الظرف للمحافظة على رؤوس الآي ، أو لأن الأكل منها هو المعتاد المعتمد عليه في المعاش ، وأما الأكل من سائر الحيوانات المأكولة فعلى سبيل التداوي أو التفكه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.