قوله تعالى : { واذكروا نعمة الله عليكم } ، يعني : النعم كلها .
قوله تعالى : { وميثاقه الذي واثقكم به } ، عهده الذي عاهدكم به أيها المؤمنون .
قوله تعالى : { إذ قلتم سمعنا وأطعنا } . وذلك حين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فيما أحبوا وكرهوا ، وهو قول أكثر المفسرين ، وقال مجاهد ومقاتل : يعني الميثاق الذي أخذ عليهم حين أخرجهم من صلب آدم عليه السلام .
قوله تعالى : { واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور } . بما في القلوب من خير وشر .
{ 7 ْ } { وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ْ }
يأمر تعالى عباده بذكر نعمه الدينية والدنيوية ، بقلوبهم وألسنتهم . فإن في استدامة ذكرها داعيا لشكر الله تعالى ومحبته ، وامتلاء القلب من إحسانه . وفيه زوال للعجب من النفس بالنعم الدينية ، وزيادة لفضل الله وإحسانه . و { مِيثَاقهِ ْ } أي : واذكروا ميثاقه { الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ ْ } أي : عهده الذي أخذه عليكم .
وليس المراد بذلك أنهم لفظوا ونطقوا بالعهد والميثاق ، وإنما المراد بذلك أنهم بإيمانهم بالله ورسوله قد التزموا طاعتهما ، ولهذا قال : { إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ْ } أي : سمعنا ما دعوتنا به من آياتك القرآنية والكونية ، سمع فهم وإذعان وانقياد . وأطعنا ما أمرتنا به بالامتثال ، وما نهيتنا عنه بالاجتناب . وهذا شامل لجميع شرائع الدين الظاهرة والباطنة .
وأن المؤمنين يذكرون في ذلك عهد الله وميثاقه عليهم ، وتكون منهم على بال ، ويحرصون على أداء ما أُمِرُوا به كاملا غير ناقص .
{ وَاتَّقُوا اللَّهَ ْ } في جميع أحوالكم { إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ْ } أي : بما تنطوي عليه من الأفكار والأسرار والخواطر . فاحذروا أن يطلع من قلوبكم على أمر لا يرضاه ، أو يصدر منكم ما يكرهه ، واعمروا قلوبكم بمعرفته ومحبته والنصح لعباده . فإنكم -إن كنتم كذلك- غفر لكم السيئات ، وضاعف لكم الحسنات ، لعلمه بصلاح قلوبكم .
ويعقب على أحكام الطهارة ، وعلى ما سبقها من الأحكام بتذكير الذين آمنوا بنعمة الله عليهم بالإيمان ، وبميثاق الله معهم على السمع والطاعة ، وهو الميثاق الذي دخلوا به في الإسلام - كما تقدم - كما يذكرهم تقوى الله ، وعلمه بما تنطوي عليه الصدور :
( واذكروا نعمة الله عليكم ، وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم : سمعنا وأطعنا ، واتقوا الله ، إن الله عليم بذات الصدور ) . .
وكان المخاطبون بهذا القرآن أول مرة يعرفون - كما قدمنا - قيمة نعمة الله عليهم بهذا الدين . إذ كانوا يجدون حقيقتها في كيانهم ، وفي حياتهم ، وفي مجتمعهم ، وفي مكانهم من البشرية كلها من حولهم . ومن ثم كانت الإشارة - مجرد الإشارة - إلى هذه النعمة تكفي ، إذ كانت توجه القلب والنظر إلى حقيقة ضخمة قائمة في حياتهم ملموسة .
كذلك كانت الإشارة إلى ميثاق الله الذي واثقهم به على السمع والطاعة ، تستحضر لتوها حقيقة مباشرة يعرفونها . كما كانت تثير في مشاعرهم الاعتزاز حيث تقفهم من الله ذي الجلال موقف الطرف الآخر في تعاقد مع الله ، وهو أمر هائل جليل في حسن المؤمن ، حين يدرك حقيقته هذه ويتملاها . .
ومن ثم يكلهم الله في هذا إلى التقوى . إلى إحساس القلب بالله ، ومراقبته في خطراته الخافية :
( واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور ) . .
والتعبير( بذات الصدور ) تعبير مصور معبر موح ، نمر به كثيرا في القرآن الكريم . فيحسن أن ننبه إلى مافيه من دقة وجمال وإيحاء . وذات الصدور : أي صاحبة الصدور ، الملازمة لها ، الملاصقة بها . وهي كناية عن المشاعر الخافية ، والخواطر الكامنة ، والأسرار الدفينة . التي لها صفة الملازمة للصدور والمصاحبة . وهي على خفائها وكتمانها مكشوفة لعلم الله ، المطلع على ذات الصدور . .
يقول تعالى مُذكرًا عباده المؤمنين نعمتَه عليهم في شرعه لهم هذا الدين العظيم ، وإرساله إليهم هذا الرسول الكريم ، وما أخذ عليهم من العهد والميثاق في مبايعته على متابعته ومناصرته ومؤازرته ، والقيام بدينه وإبلاغه عنه وقبوله منه ، فقال [ تعالى ]{[9394]} { وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } وهذه هي البيعة التي كانوا يبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها عند إسلامهم ، كما قالوا : " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة ، في منشطنا ومكرهنا ، وأثرةً علينا ، وألا ننازع الأمر أهله " ، وقال تعالى : { وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [ الحديد : 8 ] وقيل : هذا تذكار لليهود بما أخذ عليهم من المواثيق والعهود في متابعة محمد صلى الله عليه وسلم والانقياد لشرعه ، رواه علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس . وقيل : هو تذكار بما أخذ تعالى من العهد على ذرية آدم حين استخرجهم من صلبه وأشهدهم على أنفسهم : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا } [ الأعراف : 172 ] قاله مجاهد ، ومُقَاتِل بن حَيَّان . والقول الأول أظهر ، وهو المحكي عن ابن عباس ، والسُّدِّي . واختاره{[9395]} ابن جرير .
ثم قال تعالى : { وَاتَّقُوا اللَّهَ } تأكيد وتحريض على مواظبة التقوى في كل حال .
ثم أعلمهم أنه يعلم ما يتخالج في الضمائر والسرائر من الأسرار والخواطر ، فقال : { إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.