فلما قصها على أبيه ، { قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك } ، وذلك أن رؤيا الأنبياء عليهم السلام وحي فعلم يعقوب أن الأخوة إذا سمعوها حسدوه فأمره بالكتمان ، { فيكيدوا لك كيدا } ، فيحتالوا في إهلاكك لأنهم يعلمون تأويلها فيحسدونك . واللام في قوله { لك } صلة ، كقوله تعالى : { لربهم يرهبون } [ الأعراف-154 ] . وقيل : هو مثل قولهم نصحتك ونصحت لك ، وشكرتك وشكرت لك . { إن الشيطان للإنسان عدو مبين } ، أي : يزين لهم الشيطان ، ويحملهم على الكبد ، لعداوته القديمة .
أخبرنا عبد الواحد بن المليحي ، أنبأنا عبد الرحمن بن أبي شريح ، أنبأنا أبو القاسم البغوي ، ثنا علي ابن الجعد ، أنبأنا شعبة عن عبد ربه بن سعيد قال : سمعت أبا سلمة قال : كنت أرى الرؤيا تهمني حتى سمعت أبا قتادة يقول : كنت أرى الرؤيا فتمرضني ، حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : " الرؤيا الصالحة من الله تعالى ، والحلم من الشيطان ، فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب ، وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ، ومن شر الشيطان وليتفل ثلاثا ، ولا يحدث به أحدا فإنها لن تضره " .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا عبد الرحمن بن أبي شريح ، أنبأنا أبو القاسم البغوي ، ثنا علي بن الجعد ، أنبأنا شعبة عن يعلى بن عطاء ، عن وكيع بن عدس ، عن أبي رزين العقيلي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الرؤيا جزء من أربعين أو ستة وأربعين جزءا من النبوة وهو على رجل طائر فإذا حدث بها وقعت ، وأحسبه قال : لا تحدث بها إلا حبيبا أو لبيبا " .
ولما بان تعبيرها ليوسف ، قال له أبوه : { يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ْ } أي : حسدا من عند أنفسهم ، أن تكون أنت الرئيس الشريف عليهم .
{ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ْ } لا يفتر عنه ليلا ولا نهارا ، ولا سرا ولا جهارا ، فالبعد عن الأسباب التي يتسلط بها على العبد أولى ، فامتثل يوسف أمر أبيه ، ولم يخبر إخوته بذلك ، بل كتمها عنهم .
لهذا أدرك أبوه يعقوب بحسه وبصيرته أن وراء هذه الرؤيا شأنا عظيما لهذا الغلام . لم يفصح هو عنه ، ولم يفصح عنه سياق القصة كذلك . ولا تظهر بوادره إلا بعد حلقتين منها . أما تمامه فلا يظهر إلا في نهاية القصة بعد انكشاف الغيب المحجوب . ولهذا نصحه بألا يقص رؤياه على إخوته ، خشية أن يستشعروا ما وراءها لأخيهم الصغير - غير الشقيق - فيجد الشيطان من هذا ثغرة في نفوسهم ، فتمتليء نفوسهم بالحقد ، فيدبروا له أمرا يسوؤه :
( قال : يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا ) . .
( إن الشيطان للإنسان عدو مبين ) . .
ومن ثم فهو يوغر صدور الناس بعضهم على بعض ، ويزين لهم الخطيئة والشر .
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ يَبُنَيّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىَ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنّ الشّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّ مّبِينٌ } .
يقول جلّ ذكره : قالَ يعقوب لابنه يوسف : { يا بُنَيّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ } ، هذه ، { عَلى إخْوَتِكَ } ، فيحسدوك ، { فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدا } ، يقول : فيبغوك الغوائل ، ويناصبوك العداوة ، ويطيعوا فيك الشيطان . { إنّ الشّيْطانَ للإِنْسانِ عَدُوّ مُبِينٌ } ، يقول : إن الشيطان لآدم وبنيه عدوّ ، وقد أبان لهم عداوته وأظهرها . يقول : فاحذر الشيطان أن يغري إخوتك بك بالحسد منهم لك إن أنت قصصت عليهم رؤياك . وإنما قال يعقوب ذلك ، لأنه قد كان تبين له من إخوته قبل ذلك حسده . كما :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد العنقزي ، عن أسباط ، عن السديّ ، قال : نزل يعقوب الشام ، فكان همه يوسف وأخاه ، فحسده إخوته لما رأوا حبّ أبيه له ، ورأى يوسف في المنام كأن أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رآهم له ساجدين ، فحدّث بها أباه فقال : { يا بُنيّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ على إخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدا . . . . } ، الآية .
واختلف أهل العربية في وجه دخول اللام في قوله : { فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدا } ، فقال بعض نحويي البصرة : معناه : فيتخذوا لك كيدا ، وليست مثل : { إنْ كُنْتُمْ للرّؤْيا تَعْبُرُونَ } ، تلك أرادوا أن يوصل الفعل إليها باللام كما يوصل بالباء ، كما تقول : قدمت له طعاما ، تريد : قدّمت إليه . وقال : { يَأْكُلْنَ ما قَدّمْتُمْ لَهُنّ } ، ومثله قوله : { قُلِ اللّهُ يَهْدِي للحَقّ } ، قال : وإن شئت كان : { فيكيدوا لك كيدا } ، في معنى : فيكيدوك ، وتجعل اللام مثل : { لِرَبّهمْ يَرْهَبُونَ } . وقد قال : { لربهم يرهبون } ، إنما هو بمكان : «ربهم يرهبون » . وقال بعضهم : أدخلت اللام في ذلك ، كما تدخل في قولهم : حمدت لك وشكرت لك ، وحمدتك وشكرتك ، وقال : هذه لام عليها الفعل ، فكذلك قوله : { فيَكيدُوا لَكَ كَيْدا } ، تقول : فيكيدوك ، ويكيدوا لك فيقصدوك ، ويقصدوا لك ، قال : و{ كيدا } : توكيد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.