بدئت السورة بالحديث عن وقوع القيامة ، والأحداث التي تصحب وقوعها ، ثم أخبرت أن الخلق في ذلك اليوم ثلاثة أصناف ، معقبة ذلك بتفصيل واف عما أعد لكل صنف من نعيم يلائم منزلته ، أو عذاب يناسب كفره وعصيانه .
ثم أوضحت الآيات بعد ذلك مظاهر نعم الله تعالى ، وآثار قدرته في الخلق والزرع والماء والنار ، وما تقتضيه هذه الآثار الواضحة من تسبيح الله العظيم وتقديسه ، وأقسمت الآيات على مكانة القرآن الكريم ، وما يستحقه من تقديس . ناعية على الكافرين سوء صنيعهم ، من وضعهم التكذيب مكان الشكر . وعقبت ذلك بإجمال لما فصلته عن الأصناف الثلاثة وما ينتظر كل صنف من نعيم أو جحيم .
وختمت السورة بتأكيد أن كل ما جاء فيها هو القين الصادق والحق الثابت ، ورتبت على ذلك الأمر بتنزيه اله تعالى وتقديسه .
1 - إذا وقعت القيامة ، لا تكون نفس مكذبة بوقوعها ، هي خافضة للأشقياء رافعة للسعداء .
{ 1-12 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ * إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا * وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ }
القول في تأويل قوله تعالى : { إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رّافِعَةٌ * إِذَا رُجّتِ الأرْضُ رَجّاً * وَبُسّتِ الْجِبَالُ بَسّاً * فَكَانَتْ هَبَآءً مّنبَثّاً } .
يعني تعالى ذكره بقوله : إذَا وَقَعَتِ الوَاقَعةُ : إذا نزلت صيحة القيامة ، وذلك حين يُنفخ في الصور لقيام الساعة . كما :
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : إذَا وَقَعتِ الوَاقِعَةُ يعني : الصيحة .
حدثنا عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : إذَا وَقَعَتِ الوَاقِعَةِ الواقعة والطامة والصاخة ، ونحو هذا من أسماء القيامة ، عظّمه الله ، وحذّره عباده .
وهي مكية بإجماع ممن يعتد بقوله من المفسرين وقيل إن فيها آيات مدنية أو مما نزل في السفر{[1]} ، وهذا كله غير ثابت وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( من داوم على قراءة سورة الواقعة لم يفتقر أبدا ){[2]} ودعا عثمان بن مسعود إلى عطائه فأبى أن يأخذ فقيل له خذ للعليا فقال إنهم يقرؤون سورة الواقعة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( من قرآها لم يفتقر أبدا ) . {[3]}
قال القاضي أبو محمد فيها ذكر القيامة وحظوظ النفس في الآخرة ، وفهم ذلك غنى لا فقر معه ، ومن فهمه شغل بالاستعداد .
{ الواقعة } : اسم من أسماء القيامة ك { الصاعقة } [ البقرة : 55 ، النساء : 153 ] و { الأزفة } [ غافر : 18 ، النجم : 57 ] و { الطامة } [ النازعات : 34 ] قاله ابن عباس ، وهذه كلها أسماء تقتضي تعظيمها وتشنيع أمرها . وقال الضحاك : { الواقعة } : الصيحة وهي النفخة في الصور . وقال بعض المفسرين : { الواقعة } : صخرة بيت المقدس ، تقع عند القيامة ، فهذه كلها معان لأجل القيامة .
سميت هذه السورة الواقعة بتسمية النبي صلى الله عليه وسلم .
روى الترمذي عن ابن عباس قال : قال أبو بكر يا رسول الله قد شبت ، قال : شيبتني هود ، والواقعة ، والمرسلات ، وعم يتساءلون ، وإذا الشمس كورت وقال الترمذي حديث حسن غريب .
وروى ابن وهب والبيهقي عن عبد الله بن مسعود بسند ضعيف أنه سمع رسول الله يقول « من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقدا أبدا » ، وكذلك سميت في عصر الصحابة . روى أحمد عن جابر بن سمرة قال : كان رسول الله يقرأ في الفجر الواقعة ونحوها من السور .
وهكذا سميت في المصاحب وكتب السنة فلا يعرف لها اسم غير هذا .
وهي مكية قال أبن عطية : باجتماع من يعتد به من المفسرين . وقيل فيها آيات مدنية ، أي نزلت في السفر ، وهذا كله غير ثابت اهـ . وقال القرطبي : عن قتادة وأبن عباس استثناء قوله تعالى { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } نزلت بالمدينة .
وقال الكلبي : إلا أربع آيات : اثنتان نزلتا في سفر النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة وهما { أفبهذا الحديث أنتم مدهنون وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } ، واثنتان نزلتا في سفره إلى المدينة وهما { ثلة من الأولين وثلة من الآخرين } وأخرج أبن أبي حاتم عن أبن مسعود أنها نزلت في غزوة تبوك .
وهي سورة السادسة والأربعون في ترتيب نزول السور عند جابر بن زيد ، نزلت بعد سورة طه وقبل سورة الشعراء .
وقد عد أهل المدينة ومكة والشام آيها تسعا وتسعين وعدها أهل البصرة سبعا وتسعين وأهل الكوفة ستا وتسعين .
وهذه السورة جامعة للتذكير قال مسروق : من أراد أن يعلم نبأ الأولين والآخرين ونبأ أهل الجنة ونبأ أهل النار ونبأ أهل الدنيا ونبأ أهل الآخرة فليقرأ سورة الواقعة اهـ .
التذكير بيوم القيامة وتحقيق وقوعه .
ووصف ما يعرف وهذا العالم الأرضي عند ساعة القيامة .
ثم صفة أهل الجنة وبعض نعيمهم .
وصفة أهل النار وما هم فيه من العذاب وأن ذلك لتكذيبهم بالبعث . وإثبات الحشر والجزاء والاستدلال على إمكان الخلق الثاني بما أبدعه اللام من الموجودات بعد أن لم تكن .
والاستدلال بدلائل قدرة الله تعالى .
والاستدلال بنزع الله الأرواح من الأجساد والناس كارهون لا يستطيع أحد منعها من الخروج ، على أن الذي قدر على نزعها بدون مدافع قادر على إرجاعها متى أراد أن يميتهم .
وتأكيد أن القرآن منزل من عند الله وأنه نعمة أنعم بها عليهم فلم يشكروها وكذبوا بما فيه .
افتتاح السورة بالظرف المتضمننِ الشرط ، افتتاح بديع لأنه يسترعي الألباب لترقب ما بعد هذا الشرط الزماني مع ما في الاسم المسند إليه من التهويل بتوقع حدث عظيم يحدث .
و { إذا } ظرف زمان وهو متعلق بالكون المقدر في قوله : { في جنات النعيم } [ الواقعة : 12 ] الخ وقوله : { في سدر مخضود } [ الواقعة : 28 ] الخ وقوله : { في سموم وحميم } [ الواقعة : 42 ] الخ . وضمّن { إذا } معنى الشرط .