السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِذَا وَقَعَتِ ٱلۡوَاقِعَةُ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، في قول الحسن وعكرمة وجابر وعطاء ؛ وقال ابن عباس وقتادة : إلا آية منها نزلت بالمدينة وهي قوله تعالى : { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } وقال الكلبي : مكية إلا أربع آيات ؛ منها آيتان { أفبهذا الحديث أنتم مدهنون وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } نزلتا في سفره إلى مكة ؛ وقوله تعالى : { ثلة من الأوّلين وثلة من الآخرين } نزلتا في سفره إلى المدينة ، وقدّمنا أنّ في المدني والمكي اصطلاحين ، وأنّ المشهور أنّ المكي ما نزل قبل الهجرة ؛ والمدني ما نزل بعدها وهي ست وتسعون آية ؛ قال الجلال المحلي : وهي ست أو سبع أو تسع وتسعون آية وثلاثمائة وثمان وتسعون كلمة ، وألف وسبع مئة وثلاثة أحرف .

{ بسم الله } الذي له الكمال كله ففاوت بين الناس في الأحوال { الرحمن } الذي عم بنعمة البيان وفاضل في قبولها بين أهل الإدبار وأهل الإقبال { الرحيم } الذي قرب أهل حزبه ففازوا بمحاسن الأقوال والأفعال .

ولما قسم سبحانه الناس في تلك السورة إلى ثلاثة أصناف مجرمين وسابقين ولاحقين ، شرح أحوالهم في هذه السورة وبين الوقت الذي يظهر فيه إكرامه وانتقامه بقوله تعالى : { إذا وقعت الواقعة } .

{ إذا وقعت الواقعة } أي : التي لا بد من وقوعها ولا واقع يستحق أن يسمى الواقعة بلام الكمال وتاء المبالغة غيرها ، وهي النفخة الثانية التي يكون عنها البعث الأكبر الذي هو القيامة الجامعة لجميع الخلق ، فسميت واقعة لتحقق وقوعها ، وقيل : لكثرة ما يقع فيها من الشدائد ، وانتصاب إذا بمحذوف مثل اذكر أو كان كيت وكيت ، وقال الجرجاني : إذا صلة كقوله تعالى : { اقتربت الساعة } [ القمر : 1 ] و{ أتى أمر الله } [ النحل : 1 ] وهو كما يقال : جاء الصوم أي دنا وقرب .