روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{إِذَا وَقَعَتِ ٱلۡوَاقِعَةُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الواقعة

{ مكية كما أخرجه البيهقي في الدلائل وغيره عن ابن عباس وابن مردويه عن ابن الزبير واستثنى بعضهم قوله تعالى : { ثلة الأولين وثلة من الآخرين } كما حكاه في الإتقان وكذا استثنى قوله سبحانه : { فلا أقسم بمواقع النجوم } إلى { تكذبون } لما أخرجه مسلم في سبب نزوله وسيأتي إن شاء الله تعالى وفي مجمع البيان حكاية استثناء قوله تعالى : { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } عن ابن عباس وقتادة وعدد آيها تسع وتسعون في الحجازي والشامي وسبع وتسعون في البصري وست وتسعون في الكوفي وتفصيل ذلك فيما أعد لمثله وهي وسورة الرحمن متواخية في أن في كل منهما وصف القيامة والجنة والنار وقال في البحر : مناسبتها لما قبلها أنه تضمن العذاب للمجرمين والنعيم للمؤمنين وفاضل سبحانه بين جنتي بعض المؤمنين وجنتي بعض آخر منهم فانقسم المكلفون بذلك إلى كافر ومؤمن فاضل ومؤمن مفضول وعلى هذا جاء ابتداء هذه السورة من كونهم أصحاب ميمنة وأصحاب مشأمة وسابقين وقال بعض الأجلة أنظر إلى اتصال قوله تعالى : { إذا وقعت الواقعة } بقوله سبحانه : { فإذا انشقت السماء } وأنه اقتصر في الرحمن على ذكر انشقاق السماء وفي الواقعة على ذكر رج الأرض فكان السورتين لتلازمهما واتحادهما سورة واحدة فذكر في كل شيء وقد عكس الترتيب فذكر في أول هذه ما فيتلك وفي آخر هذه ما فيتلك فافتتح في سورة الرحمن بذكر القرآن ثم ذكر الشمس والقمر ثم ذكر النبات ثم خلق الإنسان والجان ثم صفة يوم القيامة ثم صفة النار ثم صفة الجنة وهذه ابتداؤها بذكر القيامة ثم صفة الجنة ثم صفة النار ثم خلق الإنسان ثم النبات ثم الماء ثم النار ثم ذكرت النجوم ولم تذكر في الرحمن كما لم يذكر هنا الشمس والقمر ثم ذكر الميزان فكانت هذه كالمقابلة لتلكوك المتضمنة لرد العجز على الصدر وجاء في فضلها آثار أخرج أبو عبيد في فضائله وابن الضريس والحرث بن أبي أسامة وأبو يعلى وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال : سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول : من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس نحوه مرفوعا وأخرج ابن مردويه عن أنس عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال : سورة الواقعة الغنى فاقرءوها وعلموها أولادكم .

وأخرج الديلمي عنه مرفوعا «علموا نسائكم سورة الواقعة فإنها سورة الغنى » .

بسْم الله الرحمن الرحيم { إِذَا وَقَعَتِ الواقعة } أي إذا حدثت القيامة على أن { وَقَعَتِ } بمعنى حدثت و { الواقعة } علم بالغلبة أو منقول للقيامة ، وصرح ابن عباس بأنها من أسمائها وسميت بذلك للإيذان بتحقق وقوعها لا محالة كأنها واقعة في ونفسها مع قطع النظر عن الوقوع الواقع في حيز الشرط فليس الإسناد كما في جاءني جاء فإنه لغو لدلالة كل فعل على فاعل له غير معين ، وقال الضحاك : { الواقعة } الصيحة وهي النفخة في الصور ، وقيل : { الواقعة } صخرة بيت المقدس تقع يوم القيامة وليس بشيء ، و { إِذَا } ظرف متضمن معنى الشرط على ما هو الظاهر ، والعامل فيها عند أبي حيان الفعل بعدها فهي عنده في موضع نصب بوقعت كسائر أسماء الشرط وليست مضافة إلى الجملة ، والجمهور على إضافتها فقيل : هي هنا قد سلبت الظرفية ووقعت مفعولاً به لا ذكر محذوفاً ، وقيل : لم تسلب ذلك وهي منصوبة بليس ، وصنيع الزمخشري يشعر باختياره .

وقيل : بمحذوف وهو الجواب أي { إِذَا وَقَعَتِ الواقعة } كان كيت وكيت ، قال في «الكشف » هذا الوجه العربي الجزل فالنصب بإضمار اذكر إنما كثر في إذ ، وبليس إنما يصح إذا جعلت لمجرد الظرفية وإلا لوجب الفاء في ليس ، وأبو حيان تعقب النصب بليس بأنه لا يذهب إليه نحوي لأن ليس في النفي ك { مَا } وهي لا تعمل ، فكذا ليس فإنه مسلوبة الدلالة على الحدث والزمان ، والقول : بأنها فعل على سبيل المجاز ، والعامل في الظرف إنما هو ما يقع فيه من الحدث فحيث لا حدث فيها لا عمل لها فيه ، ثم ذكر نحو ما ذكر «صاحب الكشف » من وجوب الفاء في ليس إذا لم تجرد عن الشرطية ؛ واعترض دواه أن { مَا } لا تعمل بأنهم صرحوا بجواز تعلق الظرف بها لتأويلها بانتفى وأنه يكفي له رائحة الفعل ، ويقال عليها في ذلك ليس ، وكذا دعوى وجوب الفاء في ليس إذا لم تجرد { إِذَا } عن الشرطية بأن لزوم الفاء مع الأفعال الجامدة إنما هو في جواب إن الشرطية لعملها كما صرحوا به . وأما { إِذَا } فدخول الفاء في جوابها على خلاف الأصل . وسيأتي إن شاء الله تعالى فيها قولان آخران ، وبعد القيل والقال الأولى كون العامل محذوفاً وهو الجواب كما سمعت . وفي إبهامه تهويل وتفخيم لأمر الواقعة .

/خ1