{ 35 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }
هذا أمر من الله لعباده المؤمنين ، بما يقتضيه الإيمان من تقوى الله والحذر من سخطه وغضبه ، وذلك بأن يجتهد العبد ، ويبذل غاية ما يمكنه من المقدور في اجتناب ما يَسخطه الله ، من معاصي القلب واللسان والجوارح ، الظاهرة والباطنة . ويستعين بالله على تركها ، لينجو بذلك من سخط الله وعذابه . { وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ } أي : القرب منه ، والحظوة لديه ، والحب له ، وذلك بأداء فرائضه القلبية ، كالحب له وفيه ، والخوف والرجاء ، والإنابة والتوكل . والبدنية : كالزكاة والحج . والمركبة من ذلك كالصلاة ونحوها ، من أنواع القراءة والذكر ، ومن أنواع الإحسان إلى الخلق بالمال والعلم والجاه ، والبدن ، والنصح لعباد الله ، فكل هذه الأعمال تقرب إلى الله . ولا يزال العبد يتقرب بها إلى الله حتى يحبه الله ، فإذا أحبه كان سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي [ بها ] ويستجيب الله له الدعاء .
ثم خص تبارك وتعالى من العبادات المقربة إليه ، الجهاد في سبيله ، وهو : بذل الجهد في قتال الكافرين بالمال ، والنفس ، والرأي ، واللسان ، والسعي في نصر دين الله بكل ما يقدر عليه العبد ، لأن هذا النوع من أجل الطاعات وأفضل القربات .
ولأن من قام به ، فهو على القيام بغيره أحرى وأولى { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } إذا اتقيتم الله بترك المعاصي ، وابتغيتم الوسيلة إلى الله ، بفعل الطاعات ، وجاهدتم في سبيله ابتغاء مرضاته .
والفلاح هو الفوز والظفر بكل مطلوب مرغوب ، والنجاة من كل مرهوب ، فحقيقته السعادة الأبدية والنعيم المقيم .
{ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُوَاْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ } . .
يعني جلّ ثناؤه بذلك : يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله فيما أخبرهم ووعدهم من الثواب ، وأوعد من العقاب اتّقُوا اللّهَ يقول : أجيبوا الله فيما أمركم ونهاكم بالطاعة له في ذلك ، وحققوا إيمانكم وتصديقكم ربكم ونبيكم بالصالح من أعمالكم . وَابْتَغُوا إلَيْهِ الوَسِيلَةَ يقول : واطلبوا القربة إليه بالعمل بما يرضيه . والوسيلة : هي الفعلية من قول القائل : توسلت إلى فلان بكذا ، بمعنى : تقرّبت إليه ، ومنه قول عنترة :
إنّ الرّجالَ لهُمْ إلَيْكِ وَسِيلَةٌ ***أنْ يأْخُذُوكِ تَكَحّلِي وتَخَضّبِي
يعني بالوسيلة : القُرْبة . ومنه قول الاَخر :
إذا غَفَلَ الوَاشُونَ عُدْنا لِوَصْلِنا ***وَعادَ التّصَافِي بَيْنَنا وَالوَسائِلُ
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا سفيان ( ح ) ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا زيد بن الحباب ، عن سفيان ، عن منصور ، عن أبي وائل : وَابْتَغُوا إلَيْهِ الوَسِيلةَ قال : القربة في الأعمال .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا وكيع ( ح ) ، وحدثنا سفيان ، قال : حدثنا أبي ، عن طلحة ، عن عطاء : وَابْتَغُوا إلَيْهِ الوَسِيلَةَ قال : القُربة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَابْتَغُوا إلَيْهِ الوَسِيلَةَ قال : هي المسألة والقربة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : وَابْتَغُواإلَيْهِ الوَسِيلَةَ : أي تقرّبوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَابْتَغُوا إلَيْهِ الوَسِيلَةَ : القربة إلى الله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن في قوله : وَابْتَغُوا إلَيْهِ الوَسِيلَةَ قال : القربة .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير ، قوله : وَابْتَغُوا إلَيْهِ الوَسِيلَةَ قال : القربة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَابْتَغُوا إلَيْهِ الوَسِيلَةَ قال : المحبة ، تحببوا إلى الله . وقرأ : أولَئِكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبّهِمُ الوَسِيلَةَ .
القول في تأويل قوله تعالى : وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلكُمْ تُفْلِحُونَ .
يقول جلّ ثناؤه للمؤمنين به وبرسوله : وجاهدوا أيها المؤمنون أعدائي وأعداءكم في سبيلي ، يعني : في دينه وشريعته التي شرعها لعباده ، وهي الإسلام ، يقول : أتعبوا أنفسكم في قتالهم وحملهم على الدخول في الحنيفية المسلمة لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ يقول : كيما تنجحوا فتدركوا البقاء الدائم ، والخلود في جناته . وقد دللنا على معنى الفلاح فيما مضى بشواهده بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة } أي ما تتوسلون به إلى ثوابه والزلفى منه من فعل الطاعات وترك المعاصي ، من وسل إلى كذا إذا تقرب إليه وفي الحديث " الوسيلة منزلة في الجنة " . { وجاهدوا في سبيله } بمحاربة أعدائه الظاهرة والباطنة . { لعلكم تفلحون } بالوصول إلى الله سبحانه وتعالى والفوز بكرامته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.