البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبۡتَغُوٓاْ إِلَيۡهِ ٱلۡوَسِيلَةَ وَجَٰهِدُواْ فِي سَبِيلِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (35)

الوسيلة الواسلة ما يتقرب منه .

يقال : وسله وتوسل إليه ، واستعيرت الوسيلة لما يتقرب به إلى الله تعالى من فعل الطاعات .

وقال لبيد :

أرى الناس لا يدرون ما قدر أمرهم *** ألا كل ذي لب إلى الله واسل

وأنشد الطبري :

إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا *** وعاد التصابي بيننا والوسائل

{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و ابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون } مناسبة هذه الآية لما قبلها ، أنه تعالى لما ذكر جزاء من حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فساداً من العقوبات الأربع ، والعذاب العظيم المعد لهم في الآخرة ، أمر المؤمنين بتقوى الله ، وابتغاء القربات إليه ، فإن ذلك هو المنجي من المحاربة والعقاب المعد للمحاربين .

ولما كانت الآية نزلت في العرنيين والكلبيين ، أو في أهل الكتاب اليهود ، أو في المشركين على الخلاف في سبب النزول ، وكل هؤلاء سعى في الأرض فساداً ، نص على الجهاد ، وإنْ كان مندرجاً تحت ابتغاء الوسيلة لأن به صلاح الأرض ، وبه قوام الدين ، وحفظ الشريعة ، فهو مغاير لأم المحاربة ، إذ الجهاد محاربة مأذون فيها ، وبالجهاد يدفع المحاربون .

وأيضاً ففيه تنبيه على أنه يجب أن تكون القوّة والبأس الذي للمحارب مقصوراً على الجهاد في سبيل الله تعالى ، وأن لا يضع تلك النجدة التي وهبها الله له للمحاربة في معصية الله تعالى ، وهل الوسيلة القربة التي ينبغي أن يطلب بها ، أو الحاجة ، أو الطاعة ، أو الجنة ، أو أفضل درجاتها ، أقوال للمفسرين .

وذكر رجاء الفلاح على تقدير حصول ما أمر به قبل من التقوى وابتغاء الوسيلة والجهاد في سبيله .

والفلاح اسم جامع للخلاص عن المكروه ، والفوز بالمرجوّ .