فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبۡتَغُوٓاْ إِلَيۡهِ ٱلۡوَسِيلَةَ وَجَٰهِدُواْ فِي سَبِيلِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (35)

{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله } أي خافوا الله بترك المنهيات { وابتغوا إليه } أي اطلبوا إليه لا إلى غيره { الوسيلة } فعيلة من توسلت إليه إذا تقربت إليه ، فالوسيلة القربة التي ينبغي أن تطلب ، وبه قال أبو وائل والحسن ومجاهد وقتادة والسدي وابن زيد وروي عن ابن عباس وعطاء وعبد الله بن كثير .

قال ابن كثير في تفسيره : وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه ، والوسيلة أيضا درجة في الجنة مختصة برسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت سيدنا محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة ) {[628]} .

وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإن من صلى علي صلى الله عليه عشرا ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة ) {[629]} ، وفي الباب أحاديث .

والعطف على { يا أيها الذين آمنوا } يفيد أن الوسيلة غير التقوى ، وقيل هي التقوى لأنها ملاك الأمر وكل الخير فتكون الجملة الثانية على هذا مفسرة للجملة الأولى ، والظاهر أن الوسيلة التي هي القربة تصدق على التقوى وعلى غيرها من خصال الخير التي يتقرب بها العباد إلى ربهم ، وقيل معنى الوسيلة المحبة أي تحببوا إلى الله والأول أولى .

{ وجاهدوا في سبيله } من لم يقبل دينه وقبل أعداءه البارزة والكامنة { لعلكم تفلحون } أي لكي تسعدوا بالخلود في جنته لأن الفلاح اسم جامع للخلاص من كل مكروه والفوز بكل محبوب .


[628]:الترمذي باب42 من كتاب الصلاة- النسائي الباب28من كتاب الآذان.
[629]:مسلم384.