فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبۡتَغُوٓاْ إِلَيۡهِ ٱلۡوَسِيلَةَ وَجَٰهِدُواْ فِي سَبِيلِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (35)

{ يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون } أجيبوا ربكم فيما أمركم ونهاكم ، واطلبوا القربة ( {[1742]} ) إليه بالعمل بما يرضيه ، وجاهدوا عدو الله وعدوكم ، كيما تفوزوا بالعز الذي كتب الله للمؤمنين الصادقين المجاهدين في الدنيا ، وتدركوا النعيم الذي لا يبيد ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر ؛ مما جاء في تفسير القرآن العظيم : والوسيلة هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود ، والوسيلة أيضا عَلَم على أعلى منزلة في الجنة ، وهي منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وداره في الجنة ، وهي أقرب أمكنة الجنة إلى العرش ، وقد ثبت في صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة " ؛ حديث آخر في صحيح مسلم ، قال صلى الله عليه وسلم : " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا فإنه من صلى عَلَي صلاة صلى الله عليه عشرا ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون هو فمن سأل لي الوسيلة ( {[1743]} ) حلت عليه الشفاعة . . ا ه .


[1742]:مما نقل النيسابوري. إنه سبحانه لما بين كمال جسارة اليهود على المعاصي، وغاية بعدهم عن الوسائل إلى الله، وآل الكلام إلى ما آل، عاد إلى إرشاد المؤمنين ليكونوا بالضد منهم،..كان افتخارهم بأعمال آبائهم، فقيل للمؤمنين: لتكن مفاخرتكم بأعمالكم لا بأسلافكم، فقوله:{ اتقوا الله} إشارة إلى ترك المنهيات، وقوله: {وابتغوا إليه الوسيلة} عبارة عن فعل المأمورات، وأن كان ترك المناهي أيضا من جملة الوسائل،...قالت التعليمية: إنه تعالى أمر بابتغاء الوسيلة إليه، فلا بد من معلم يعلمنا معرفته؛ وأجيب بأن الأمر مؤخر عن الإيمان لقوله:{يأيها الذين آمنوا} فعلمنا أن المراد بالوسائل هي العبادات والطاعات. ا هـ.
[1743]:أورد صاحب روح المعاني بحثا يزيد على ألفي كلمة تحدث فيه عن الوسيلة التي تعني الاستعانة بالصالحين، وجعلهم وسيلة بين الله تعالى وبين العباد،..وأورد أن طلب الدعاء من المخلوق وجعله وسيلة لا شك في جوازه إن كان المطلوب منه حيا، ولا يتوقف على أفضليته من الطالب بل قد يطلب الفاضل من المفضول فقد صح أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال لعمر رضي الله تعالى عنه لما استأذنه في العمرة: "لا تنسنا يا أخي من دعائك" وأمره أيضا أن يطلب من أويس القرني رحمة الله تعالى عليه أن يستغفر له،وأمر أمته صلى الله تعالى عليه وسلم بطلب الوسيلة له، وبأن يصلوا عليه، وأما إذا كان المطلوب منه ميتا فلا يستريب عالم أنه غير جائز؛ وفي صحيح البخاري عن أنس أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس رضي الله تعالى عنه، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيك صلى الله تعالى عليه وسلم فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون؛ فإنه لو كان التوسل به عليه الصلاة والسلام بعد انتقاله من هذه الدار لما عدلوا إلى غيره؛ هذا التوسل ليس من باب الإقسام بل هو من جنس الاستشفاع، وهو أن يطلب من الشخص الدعاء والشفاعة، ويطلب من الله تعالى أن يقبل دعاءه وشفاعته، ويؤيد ذلك أن العباس كان يدعو وهم يؤمنون حتى سقوا؛ ولا شك أن الأعمال الصالحة سبب لثواب الله تعالى لنا، ولا كذلك ذوات الأشخاص أنفسها؛ والتوسل بجاه غير النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لا بأس به أيضا إن كان المتوسل بجاهه مما علم أن له جاها عند الله تعالى كالمقطوع بصلاحه وولايته؛ ولا يغرنك أن المستغيث بمخلوق قد تقضى حاجته وتنجح طلبته، فإن ذلك ابتلاء وفتنة منه سبحانه وقد يتمثل الشيطان للمستغيث في صورة الذي استغاث به فيظن أن ذلك كرامة لمن استغاث به، هيهات هيهات! إنما هو شيطان أضله وأغواه، وزين له هواه. يراجع من شاء ج 6، من ص 124 إلى ص 129.