فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبۡتَغُوٓاْ إِلَيۡهِ ٱلۡوَسِيلَةَ وَجَٰهِدُواْ فِي سَبِيلِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (35)

{ ابتغوا } اطلبوا { إِلَيْهِ } : لا إلى غيره ، و{ الوسيلة } فعيلة من توسلت إليه : إذا تقربت إليه . قال عنترة :

إن الرجال لهم إليك وسيلة *** إن يأخذوك تكحلي وتخضبي

وقال آخر :

إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا *** وعاد التصابي بيننا والوسائل

فالوسيلة : القربة التي ينبغي أن تطلب ، وبه قال أبو وائل والحسن ومجاهد ، وقتادة والسدي وابن زيد . وروي عن ابن عباس ، وعطاء ، وعبد الله بن كثير . قال ابن كثير في تفسيره : وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة ، لا خلاف بين المفسرين فيه . والوسيلة أيضاً درجة في الجنة مختصة برسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قال حين يسمع النداء : اللهم ربّ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة ، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ، إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة » وفي صحيح مسلم ، من حديث عبد الله بن عمرو ، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا عليّ ، فإنه من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه عشراً ثم سلوا لي الوسيلة ، فإنها منزلة في الجنة ، لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة » وفي الباب أحاديث ، وعطف { وابتغوا إِلَيهِ الوسيلة } على { يا أيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله } يفيد أن الوسيلة غير التقوى . وقيل هي التقوى ، لأنها ملاك الأمر ، وكل الخير ، فتكون الجملة الثانية على هذا مفسرة للجملة الأولى . والظاهر أن الوسيلة : هي القربة تصدق على التقوى ، وعلى غيرها من خصال الخير التي يتقرب العباد بها إلى ربهم { وجاهدوا فِي سَبِيلِهِ } من لم يقبل دينه { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } .

/خ37