تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبۡتَغُوٓاْ إِلَيۡهِ ٱلۡوَسِيلَةَ وَجَٰهِدُواْ فِي سَبِيلِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (35)

المفردات :

وابتغوا : واطلبوا .

الوسيلة : هي ما يتوسل به ، ويتقرب إلى الله من فعل الطاعات ، وترك المعاصي .

التفسير :

35- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ . . . الآية .

أي : راقبوا الله تعالى في أقوالكم وأعمالكم وتقربوا إليه بالعمل الصالح ، " والوسيلة : هي القربة ، وهي فعلية من توسلت إليها أي : تقربت ، قال عنترة :

إن الرجال لهم إليك وسيلة *** أن يأخذوك تكحلى وتخضبي

والجمع : الوسائل ، قال الشاعر :

إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا *** وعاد التصافي بيننا والوسائل {[217]}

والوسيلة ، هي درجة في الجنة وهي التي جاء الحديث الصحيح بها في قوله صلى الله عليه وسلم :

" من قال حين يسمع النداء- أي : الأذان- : اللهم رب هذه الدعوة التامة ، والصلاة القائمة ، آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته ؛ حلت له شفاعتي يوم القيامة " {[218]}

والآية أرشدت المسلمين إلى الأمور الآتية :

1- تقوى الله وطاعته والتزام أوامره واجتناب نواهيه .

2- التقرب إليه بما يرضيه .

3- الجهاد في سبيله .

ثم رتبت على ذلك الفلاح و الفوز والنجاح ، حيث قال سبحانه وتعالى :

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ .

وقد أطال الآلوسي في تفسير هذه الآية الكريمة ، وكتب قرابة خمس صفحات ، يوضح فيها أن الوسيلة ليست الاستغاثة بالصالحين وجعلهم وسيلة بين الله تعالى وبين العباد .

فطلب الدعاء من الأحياء جائز ، والتوسل بهم إلى الله تعالى جائز ، فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال لعمر بن الخطاب . " لا تنسنا يا أخي من دعائك " {[219]}

ونقل الآلوسي كلاما طويلا خلاصته أن التوسل لا يكون إلا بالأحياء ، ولم يرد عن أحد من الصحابة أنه طلب من ميت شيئا ، ففي صحيح البخاري عن أنس أن عمر رضي الله عنه- كان إذا أقحطوا ؛ استسقى بالعباس رضي الله عنه فقال :

" اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيك- صلى الله عليه وسلم- فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبيك فاسقنا ؛ فيسقون " . {[220]}

وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . أي : وجاهدوا أنفسكم بكفها عن الأهواء ، وكذلك جاهدوا أعداءكم ؛ حتى تكون كلمة الله هي العليا ، رجاء أن تفوزوا بالفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة .


[217]:تفسير القرطبي 6/159 طبعة دار الكتب المصرية.
[218]:اللهم رب هذه الدعوة التامة: رواه البخاري في الأذان (614) وفي التفسير (4719) وأبو داود في الصلاة (529) والترمذي في الصلاة (211) والنسائي في الأذان (680) وابن ماجه في الأذان (722) وأحمد في مسنده (14209) من حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة.
[219]:لا تنسنا يا أخي من دعائك: رواه أبو داود في الصلاة (1498) والترمذي في الدعوات (3562) وابن ماجه في المناسك (2894) وأحمد في مسنده (196) من حديث عمر رضي الله عنهم قال استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن لي وقال لا تنسنا يا أخي من دعائك فقال كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا قال شعبة ثم لقيت عاصما بعد بالمدينة فحدثنيه وقال أشركنا يا أخي في دعائك. قال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد وأو يعلى وفيه عاصم بن عبيد الله بن عاصم وفيه كلام كثير لغفلته وقد وثق.
[220]:اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيك: رواه البخاري في الجمعة (1010) وفي المناقب (3710) من حديث أنس بن مالك أن عمر بن الخطاب رضي اللهم عنهم كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال فيسقون.