قوله تعالى : { إن ينصركم الله } . يعنكم الله ويمنعكم من عدوكم .
قوله تعالى : { فلا غالب لكم } . مثل يوم بدر .
قوله تعالى : { وإن يخذلكم } . يترككم فلم ينصركم كما كان بأحد ، والخذلان القعود عن النصر والإسلام للهلكة .
قوله تعالى : { فمن ذا الذي ينصركم من بعده } . أي من بعد خذلانه .
قوله تعالى : { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } . قيل التوكل أن لا تعصي الله من أجل رزقك ، وقيل : أن لا تطلب لنفسك ناصراً غير الله ولا لرزقك خازناً غيره ولا لعملك شاهداً غيره .
أخبرنا الأستاذ الإمام أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري ، أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن شجاع البزاز ببغداد ، أخبرنا أبو بكر محمد بن جعفر بن محمد الهيثم الأنباري ، أخبرنا محمد بن أبي العوام ، أخبرنا وهب ابن جرير ، أخبرنا هشام بن حسان عن الحسن عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يدخل سبعون ألفاً من أمتي الجنة بغير حساب قيل : يا رسول الله من هم ؟ قال : هم الذين لا يكتوون ، ولا يسترقون ، ولا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون . فقال عكاشة بن محصن : يا رسول الله ادع الله لي أن يجعلني منهم ، قال : أنت منهم ثم قام آخر فقال : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم ، فقال : سبقك بها عكاشة " .
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة قال : أخبرنا محمد بن أحمد بن الحارث ، أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أخبرنا عبد الله بن محمود ، أخبرنا إبراهيم بن محمد الخلال ، أنا عبد الله بن المبارك ، عن حياة بن شريح ، حدثني بكر بن عمرو ، عن عبد الله بن هبيرة أنه سمع أبا تميم الجيشاني يقول : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً " .
{ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }
أي : إن يمددكم الله بنصره ومعونته { فلا غالب لكم } فلو اجتمع عليكم من في أقطارها وما عندهم من العدد والعُدد ، لأن الله لا مغالب له ، وقد قهر العباد وأخذ بنواصيهم ، فلا تتحرك دابة إلا بإذنه ، ولا تسكن إلا بإذنه .
{ وإن يخذلكم } ويكلكم إلى أنفسكم { فمن ذا الذي ينصركم من بعده } فلا بد أن تنخذلوا ولو أعانكم جميع الخلق .
وفي{[170]} ضمن ذلك الأمر بالاستنصار بالله والاعتماد عليه ، والبراءة من الحول والقوة ، ولهذا قال : { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } بتقديم المعمول يؤذن بالحصر ، أي : على الله توكلوا لا على غيره ، لأنه قد علم أنه هو الناصر وحده ، فالاعتماد عليه توحيد محصل للمقصود ، والاعتماد على غيره شرك غير نافع لصاحبه ، بل ضار .
وفي هذه الآية الأمر بالتوكل على الله وحده ، وأنه بحسب إيمان العبد يكون توكله .
ولقد أكد الله - تعالى - وجوب التوكل عليه بعد ذلك فى قوله : { إِن يَنصُرْكُمُ الله فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الذي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ } ؟
والمراد بالنصر هنا العون الذى يسوقه لعباده حتى ينتصروا على أعدائهم . والمراد بالخذلان ترك العون . والمخذول ، هو المتروك الذى لا يعبأ به .
يقال : خذلت الوحشية إذا أقامت على ولدها فى المرعى وتركت صواحباتها .
والمعنى : أن يرد الله - تعالى - نصركم كما نصركم يوم بدر - { فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ } أى فإنه لا يوجد قوم يستطيعون قهركم ، لأن الله معكم ، ومن كان الله معه فلن يغلبه أحد من الخلق .
وأن يرد أن يخذلكم ويمنع عنكم عونه كما حدث لكم يوم أحد ، فلن يستطيع أحد أن ينصركم من بعد خذلانه ، لأنه لا يوجد أحد عنده قدرة تقف أمام قدرة الله - تعالى - ومشيئته .
والاستفهام هنا إنكارى يعنى النفى ، أى لا أحد يستطيع نصركم إذا اراد الله خذلانكم ، وهو جواب للشرط الثانى .
وفيه لطف بالمؤمنين ، حيث صرح لهم بعدم الغلبة فى الأول ، ولم يصرح لهم بأنهم لا ناصر لهم فى الثانى ، بل أتى به فى صورة الاستفهام وإن كان معناه نفيا ليكون أبلغ ، إذ فى مجيئه على هذه الصورة الاستفهامية توجيه لأنظار المخاطبين إلى البحث عن قوة تكون قدرته كافية للوقوف أمام إرادة الله - تعالى - ولا شك أنهم لن يجدوه ، وعندئذ سيعتقدون عن يقين بأن الله وحده هو الكبير المتعال ، وأنه لا ناصر لهم سواه .
وقوله { وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون } أى وعلى الله وحده لا على أحد سواه . فليجعل المؤمنون اعتمادهم واتكالهم عليه ، لأن الذين يعتمدون على أى قوة سوى الله - تعالى - لن يصلوا إلى العاقبة الطيبة التى أعدها - سبحانه - لعباده المتقين .
فالآية الكريمة كلام مستأنف ، وقد سيق بطرق تلوين الخطاب ، تشريفا للمؤمنين لايجاب التوكل عليه والترغيب فى طاعته التى تؤدى إلى النصر ، وتحذيرا لهم من معصيته التى تقضى إلى الخسران والخذلان .
ثم ثبت تعالى المؤمنين بقوله : { إن ينصركم الله فلا غالب لكم } أي فالزموا الأمور التي أمركم بها ووعدكم النصر معها ، و «الخذل » : هو الترك في مواطن الاحتياج إلى التارك ، وأصله من خذل الظباء ، وبهذا قيل لها : خاذل إذ تركتها أمها ، وهذا على النسب أي ذات خذل لأن المتروكة هي الخاذل بمعنى مخذولة ، وقوله تعالى : { فمن ذا الذي ينصركم } تقدير جوابه : لا من- والضمير في { بعده } يحتمل العودة على المكتوبة ، ويحتمل العودة على الخذل الذي تضمنه قوله { إن يخذلكم } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.