قوله تعالى : { فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة } وهي البستان الذي في غاية النضارة ، { يحبرون } قال ابن عباس : يكرمون . وقال مجاهد وقتادة : ينعمون . وقال أبو عبيدة : يسرون . والحبرة : السرور . وقيل : الحبرة في اللغة : كل نعمة حسنة ، والتحبير التحسين . وقال الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير : يحبرون هو السماع في الجنة . وقال الأوزاعي : إذا أخذ في السماع لم يبق في الجنة شجرة إلا وردت ، وقال : ليس أحد من خلق الله أحسن صوتاً من إسرافيل ، فإذا أخذ في السماع قطع على أهل سبع سموات صلاتهم وتسبيحهم .
{ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } آمنوا بقلوبهم وصدقوا ذلك بالأعمال الصالحة { فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ } فيها سائر أنواع النبات وأصناف المشتهيات ، { يُحْبَرُونَ } أي : يسرون وينعمون بالمآكل اللذيذة والأشربة والحور الحسان والخدم والولدان والأصوات المطربات والسماع المشجي والمناظر العجيبة والروائح الطيبة والفرح والسرور واللذة والحبور مما لا يقدر أحد أن يصفه .
ثم بين - سبحانه - كيفية هذا التفريق فقال : { فَأَمَّا الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ } .
والروضة : تطلق على كل مكان مرتفع زاخر بالنبات الحسن . والمراد بها هنا : الجنة ويحبرون : من الحبور بمعنى الفرح والسرور والابتهاج .
أى : ويوم تقوم الساعة ، فى هذا اليوم يتفرق الناس إلى فريقين ، فأما فريق الذين آمنا وعملوا فى دنياهم الأعمال الصالحات ، فسيكونون فى الآخرة فى جنة عظيمة ، يسرون بدخولها سرورا عظيما ، وينعمون فيها نعيما لا يحيط به الوصف .
و { يحبرون } معناه ينعمون ، قاله مجاهد ، والحبرة والحبور السرور والتنعم ، وقال يحيى بن أبي كثير{[9286]} : { يحبرون } معناه يسمعون الأغاني{[9287]} ، وهذا نوع من الحبرة ، وقال ابن عباس { يحبرون } يكرمون وفي المثل امتلأت بيوتهم حبرة فهم ينظرون العبرة ومنه بيت أبي ذؤيب : [ الطويل ]
فراق كقيص السن فالصبر انه . . . لكل أناس عبرة وحبور{[9288]}
هذا على هذه الرواية ، ويروى عثرة وحبور ، وهي أكثر وذكر تعالى «الروضة » لأنها من أحسن ما يعلم من بقاع الأرض ، وهي حيث اكتمل النبت الأخضر وجن وما كان منها في المرتفع من الأرض كان أحسن ، ومنه قول الأعشى : [ البسيط ]
وما روضة من رياض الحزن معشبة . . . خضراء جاد عليها مسل هطل{[9289]}
فما روضة طيبة الثرى . . . تمج النداء جثجاثها وعرارها{[9290]}