إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ فَهُمۡ فِي رَوۡضَةٖ يُحۡبَرُونَ} (15)

وقولُه تعالى : { فَأَمَّا الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ } تفصيلٌ وبيانٌ لأحوالِ ذينكَ الفريقينِ . والرَّوضةُ كلُّ أرضٍ ذاتِ نباتٍ وماءٍ ورَوْنقٍ ونَضارةٍ . وتنكيرُها للتَّفخيم . والمرادُ بها الجَّنةُ ، والحُبورُ السُّرورُ يقال حبرَهُ إذا سرَّهُ سُروراً تهلَّل له وجهُه ، وقيل : الحَبرةُ كلُّ نغمةٍ حسنةٍ [ وهي أيضا السماع في الجنة ] والتَّحبيرُ التَّحسينُ . واختلفتْ فيه الأقاويلُ لاحتمالِه وجوهَ جميعِ المسارِّ . فعنِ ابنِ عبَّاسٍ ومُجاهدٍ : يُكرمون . وعن قَتادةَ يُنعَّمون . وعن ابن كيسانَ يُحلَّون وعن بكر بن عيَّاشِ : التِّيحانُ على رؤوسِهم . وعن وكيعٍ : السَّماعُ في الجَّنةِ . وعن النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلَّم ، أنَّه ذكَر الجنَّةَ وما فيها من النعيمِ وفي آخرِ القومِ أعرابيُّ فقالَ : يا رسولَ الله هَلْ في الجَّنةِ من سماعٍ قال عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : ( يا أعرابيُّ إنَّ في الجنَّةِ لنهراً حافَّتاه الأبكارُ من كلِّ بيضاءَ خُوصانيةِ يتغنَّين بأصواتٍ لم يسمعِ الخلائقُ بمثلِها قَطّ فذلكَ أفضلُ نعيمِ الجنَّةِ ) قال الرَّاوي فسألتُ أبا الدرداءِ رضي الله عنه بمَ يتغنَّين قال بالتَّسبيحِ . ورُوي إنَّ في الجنَّةِ لأشجاراً عليها أجراسٌ من فضَّةٍ فإذا أرادَ أهلُ الجَّنةِ السَّماعَ بعثَ الله تعالى ريحاً من تحتِ العرشِ فتقعُ في تلكَ الأشجارِ فتحركُ تلك الأجراسَ بأصواتٍ لو سمعها أهلُ الدُّنيا لماتُوا طرباً .