فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ فَهُمۡ فِي رَوۡضَةٖ يُحۡبَرُونَ} (15)

{ فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات } قال النحاس : سمعت الزجاج يقول معنى ( أما ) دع كنا فيه وخذ في غيره ، وكذا قال سيبويه إن معناها مهما يكن من شيء فخذ في غير ما كنا فيه .

{ فهم في روضة } الروضة كل أرض ذات نبات وماء ورونق ونضارة ؛ وقيل : البستان الذي هو في غاية النضارة قال المفسرون : المراد بها هنا الجنة ، والتنكير لإبهام أمرها وتفخيم شأنها قال أبو عبيد : الروضة ما كان في سفل ، فإذا كان مرتفعا فهو ترعة . وقال غيره : أحسن ما تكون الروضة إذا كانت في مكان مرتفع .

{ يحبرون } الحبور والحبرة السرور ، أي فهم في رياض الجنة ينعمون وقال ابن عباس : يحبرون يكرمون . وقال النحاس : حكى الكسائي حبرته أي أكرمته ونعمته ، وقيل : يحلون ، والأولى تفسير يحبرون بالسرور ، كما هو المعنى العربي ، ونفس دخول الجنة يستلزم الإكرام ، والنعيم ، وفي السرور زيادة على ذلك ، وقيل : التحبير التحسين فمعنى يحبرون يحسن إليهم ، وقيل : هو السماع الذي يسمعون في الجنة ، وقيل : غير ذلك والوجه ما ذكرناه .

وأخرج الديلمي عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان يوم القيامة قال الله : أين الذين كانوا ينزهون أسماعهم وأبصارهم عن مزامير الشيطان ميزوهم ، فيميزون في كثب المسك والعنبر ، ثم يقول للملائكة اسمعوهم من تسبيحي ، وتحميدي ، وتهليلي ، قال فيسبحون بأصوات لم يسمع السامعون بمثلها قط " .

وعن مجاهد قال : ينادي مناد يوم القيامة فذكر نحوه . وعن ابن عباس قال السيوطي بسند صحيح : في الجنة شجر على ساق ، قدر ما يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام ، فيخرج أهل الجنة أهل الغرف وغيرهم ، فيحدثون في ظلها ، فيشتهي بعضهم ، ويذكر لهو الدنيا ، فيرسل ريحا من الجنة فتحرك تلك الشجرة بكل لهو كان في الدنيا ، وعن أبي هريرة مرفوعا نحوه ، أخرجه الحكيم الترمذي في النوادر .