وقوله : { فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعا } يقول تعالى ذكره : فرفعن بالوادي غُبارا ، والنقْع : الغبار ، ويقال : إنه التراب . والهاء في قوله «به » كناية اسم الموضع ، وكنى عنه ، ولم يجر له ذكر ؛ لأنه معلوم أن الغبار لا يثار إلا من موضع ، فاستغنى بفهم السامعين بمعناه من ذكره . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعا } قال : الخيل .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن واصل ، عن عطاء وابن زيد ، قال : النقع : الغبار .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرِمة { فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعا } قال : هي أثارت الغبار ، يعني الخيل .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، قال : حدثنا أبو رجاء ، قال : سُئل عكرِمة ، عن قوله { فأَثَرْنَ بِهِ نَقْعا } قال : أثارت الترابَ بحوافرها .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سعيد ، عن قتادة { فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعا } قال : أثرن بحوافرها نقعَ التراب .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، مثله .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعا } قال : أثرن به غبارا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني أبو صخر ، عن أبي معاوية البَجَلي ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس قال : قال لي عليّ : إنما العاديات ضَبْحا من عرفةَ إلى المزدلفة ، ومن المزدلفة إلى مِنَى { فَأَثَرْنَ به نَقْعا } : الأرض حين تطؤها بأخفافها وحوافرها .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مُغيرة ، عن إبراهيم ، عن عبد الله { فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعا } قال : إذا سِرْن يُثرِن الترابَ .
والنقع : الغبار الساطع المثار ، وقرأ أبو حيوة : «فأثّرن » بشد الثاء ، والضمير في { به } ظاهر أنه للصبح المذكور ، ويحتمل أن يكون للمكان والموضع الذي يقتضيه المعنى ، وإن كان لم يجر له ذكر ، ولهذا أمثلة كثيرة ، ومشهورة . إثارة النقع هو للخيل ، ومنه قول الشاعر [ البسيط ]
يخرجن من مستطير النقع دامية . . . كأن آذانها أطراف أقلام{[11951]}
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : هو هنا الإبل تثير النقع بأخفافها .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
يقول : فأثرن بجريهن - يعني بحوافرهن - نقعا في التراب . ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
{ فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعا } يقول تعالى ذكره : فرفعن بالوادي غُبارا ، والنقْع : الغبار ، ويقال : إنه التراب . والهاء في قوله «به » كناية اسم الموضع ، وكنى عنه ، ولم يجر له ذكر ؛ لأنه معلوم أن الغبار لا يثار إلا من موضع ، فاستغنى بفهم السامعين بمعناه من ذكره . ...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
إخبار منه تعالى أن هذه الخيل تثير الغبار بعدوها ، وسمي الغبار النقع ؛ لأنه يغوص فيه صاحبه كما يغوص في الماء ...
جهود الإمام الغزالي في التفسير 505 هـ :
الهاء الأولى : كناية عن الحوافر ، وهي الموريات ، أي أترن بالحوافر نقعا ، والثانية : كناية عن الإغارة ، وهي المغيرات صبحا . ...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
والضمير في { به } ظاهر أنه للصبح المذكور ، ويحتمل أن يكون للمكان والموضع الذي يقتضيه المعنى ، وإن كان لم يجر له ذكر ، ولهذا أمثلة كثيرة ، ومشهورة . إثارة النقع هو للخيل ... وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : هو هنا الإبل تثير النقع بأخفافها . ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ فأثرن به } أي بفعل الإغارة ومكانها وزمانها من شدة العدو { نقعاً } أي غباراً... حتى صار ذلك الغبار منحبكاً ومنعقداً عليها .
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{ وأثَرنَ به نقعاً } : أصعَدْن الغبار من الأرض من شدة عدْوِهن ، والإِثارة : الإِهاجة ، والنقع : الغبار .
والباء في { به } يجوز أن تكون سببية ، والضمير المجرور عائد إلى العَدْوِ المأخوذ من { العاديات } . ويجوز كون الباء ظرفية والضمير عائداً إلى { صبحاً } ، أي أثرن في ذلك الوقت وهو وقت إغارتها .
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
«النقع » هو الغبار ، وأصل الكلمة انغماس الماء ، أو الانغماس في الماء ، والانغماس في التراب يشبهه ، ولذلك اتخذ نفس الاسم . و«النقيع » الماء الراكد . ...