قوله تعالى : { وما لكم لا تقاتلون } لا تجاهدون .
قوله تعالى : { في سبيل الله } في طاعة الله ، يعاتبهم على ترك الجهاد .
قوله تعالى : { والمستضعفين } أي : عن المستضعفين ، وقال ابن شهاب : في سبيل المستضعفين لتخليصهم ، وقيل : في تخليص المستضعفين من أيدي المشركين ، وكان بمكة جماعة من الرجال والنساء والولدان ، يلقون من المشركين أذى كثيراً .
قوله تعالى : { الذين } يدعون .
قوله تعالى : { يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها } ، يعني : مكة .
قوله تعالى : { الظالم } أي : المشرك .
قوله تعالى : { أهلها } يعني القرية التي من صفتها أن أهلها مشركون ، وإنما خفض الظالم لأنه نعت للأهل ، فلما عاد الأهل إلى القرية صار الفعل لها ، كما يقال : مررت برجل حسنة عينه .
قوله تعالى : { واجعل لنا من لدنك ولياً } ، أي : من يلي أمرنا .
قوله تعالى : { واجعل لنا من لدنك نصيراً } ، أي : من يمنع العدو عنا ، فاستجاب الله دعوتهم ، فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ولى عليهم عتاب بن أسيد ، وجعله الله لهم نصيراً ينصف المؤمنين المظلومين من الظالمين .
{ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا }
هذا حث من الله لعباده المؤمنين وتهييج لهم على القتال في سبيله ، وأن ذلك قد تعين عليهم ، وتوجه اللوم العظيم عليهم بتركه ، فقال : { وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } والحال أن المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً ، ومع هذا فقد نالهم أعظم الظلم من أعدائهم ، فهم يدعون الله أن يخرجهم من هذه القرية الظالم أهلها لأنفسهم بالكفر والشرك ، وللمؤمنين بالأذى والصد عن سبيل الله ، ومنعهم من الدعوة لدينهم والهجرة .
ويدعون الله أن يجعل لهم وليًّا ونصيرًا يستنقذهم من هذه القرية الظالم أهلها ، فصار جهادكم على هذا الوجه من باب القتال والذب عن عيلاتكم وأولادكم ومحارمكم ، لا من باب الجهاد الذي هو الطمع في الكفار ، فإنه وإن كان فيه فضل عظيم ويلام المتخلف عنه أعظم اللوم ، فالجهاد الذي فيه استنقاذ المستضعفين منكم أعظم أجرًا وأكبر فائدة ، بحيث يكون من باب دفع الأعداء .
ثم حرض - سبحانه - المؤمنين على القتال بأبلغ أسلوب فقال : { وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله والمستضعفين مِنَ الرجال والنسآء والولدان } .
فالخطاب للمؤمنين المأمورين بالقتال على طريقة الالتفات ، مبالغة فى التحريض عليه ، وتأكيدا لوجوبه . و { مَا } اسم استفهام مبتدأ ، والجار والمجرور وهو { لَكُمْ } خبره .
وجملة { لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله } فى محل نصب على الحال ، والعامل فى هذه الحال الاستقرار المقدر أو الظرف لضمنه معنى الفعل .
والمراد بالاستفهام تحريضهم على الجهاد ، والإِنكار عليهم فى تركه مع توفر دواعيه ، والمعنى : أى شئ جعلكم غير مقاتلين ؟ إن عدم قتالكم لأعدائكم يتنافى مع إيمانكم ، أما الذى يتناسب مع إيمانكم وطاعتكم لله فهو أن تقاتلوا من أجل إعلاء كلمة الله ، ومن أجل المستضعفين من الرجال والنساء والوالدان .
فالآية الكريمة تحريض على الجهاد بأبلغ وجه ، ونفى للاعتذار عنه .
والمراد بالمستضعفين : الضعفاء من الناس وهم المسلمون الذين بقوا فى مكة بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، لعدم قدرتهم على الهجرة أو لمنع المشركين إياهم من الخروج .
وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يدعو لهم فيقول : " اللهم أنج الوليد بن الوليد ، وسلمة بن هشام وعياش بن أبى ربيعة والمستضعفين من المؤمنين " .
وقوله { والمستضعفين } معطوف على قوله { فِي سَبِيلِ الله } أى : قاتلوا فى سبيل الله وفى سبيل المستضعفين حتى تخلصوهم من ظلم المشركين لهم .
وخصصهم بالذكر مع أن القتال فى سبيل الله يشملهم ، لمزيد العناية بشأنهم ، وللتحريض على القتال بحكم الشرف والمروءة بعد التحريض عليه بحكم الدين والتقرب إلى الله - تعالى - ، لأن مروءة الإِنسان الكريم تحمله على نصرة الضعيف ، ومنع الاعتداء عليه .
وقوله { مِنَ الرجال والنسآء والولدان } ، بيان لهؤلاء المستضعفين .
أى : قاتلوا - أيها المؤمنين - من أجل إعلاء كلمة الله ونشره دينه ، ومن أجل نصرة المستضعفين من الرجال الذين صدهم المشركون عن الهجرة ، ومن النساء اللائى لا يملكن حولا ولا قوة . ومن الولدان الصغار الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم .
وفى النص على هؤلاء المستضعفين وخصوصا النساء والولدان ، أقوى تحريض على الجهاد ، وأعظم وسيلة لإِثارة الحماس والنخوة من أجل القتال ، لأنهم إذا تركوا هؤلاء المستضعفين أذلاء فى أيدى المشركين ، فانهم سيعيرون بهم ، وهذا ما يأباه كل شريف كريم .
ثم حكى - سبحانه - ما كان يقوله المستضعفين من الرجال والنساء والوالدان الذين يضرعون إلى الله قائلين : يا ربنا اخرجنا من هذه القرية التى ظلمنا أهلها بسبب شركهم وكفرهم { واجعل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً } .
أى وسخر لنا من عندك حافظا يحفظ علينا ديننا { واجعل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً } . أى : وسخر لنا من عندك كذلك ناصرا يدفع أذى أعدائنا ، فأنت الذى لا يذل من استجار به ، ولا يضعف من كنت نصيره ووليه .
والمراد بالقرية الظالم أهلها : مكة . وقد وصف أهلها بأنهم ظالمون ، ولم توصف هى بأنها ظالمة كما وصف غيرها من القرى كما فى قوله - تعالى - { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا } وذلك من باب التكريم لمكة ، إذ هى حرم الله الآمن ؛ ولا يوصف حرم الله الأمن بالظلم ولو على سبيل المجاز .
وقوله { الظالم أَهْلُهَا } صفة للقرية ، وأهلها مرفوع به على الفاعلية ، وأل فى الظالم موصولة بمعنى التى أى التى ظلم أهلها . فقوله { الظالم } جار على القرية لفظا ، وهو لما بعدها معنى نحو : مررت برجل حسن غلامه .
وفى هذا النداء الذى تضرع به أولئك المستضعفون إلى خالقهم أسمى ألوان الأدب والإِخلاص فهم يلتمسون منه - سبحانه - أن يخرجهم من بطش الظالمين وحكمهم ، وأن يجلعهم تابعين للقوم الذين يحبهم ، وهم المؤمنون ، وأن يهئ لهم النصر على أعدائهم وأعدائه .
ولقد استجاب الله - تعالى - لهم دعاءهم ، حيث يسر لبعضهم الخروج إلى المدينة ، ورزق المؤمنين فتحا قريبا ، وإلى ذلك أشار صاحب الكشاف بقوله : " والمستضعفون هم الذين أسلموا بمكة وصدهم المشركون عن الهجرة فبقوا بين أظهرهم مستذلين . . . . وكانوا يعدون الله بالخلاص ويستنصرونه ، فيسر الله لبعضهم الخروج إلى المدينة ، وبقى بعضهم إلى الفتح حتى جعل الله لهم من لدنه خير ولى وناصر وهو محمد صلى الله عليه وسلم فتولاهم أحسن التولى ، ونصرهم أقوى النصر .
فإن قلت : لم يذكر الولدان : قلت : تسجيلا بإفراط ظلمهم ، حيث بلغ أذاهم الوالدان غير الكلفين ، إرغاما لآبائهم وأمهاتهم ، ومبغضة لهم ، ولأن المستضعفين كانوا يشركون صبيانهم فى دعائهم استزالا لرحمة الله بدعاء صغارهم الذين لم يذنبوا ، كما وردت السنة بإخراجهم فى الاستسقاء .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله}، وتقاتلون عن، {والمستضعفين}: المقهورين {من الرجال والنساء والولدان} المقهورين بمكة حتى يتسع الأمر، ويأتي إلى الإسلام من أراد منهم. ثم أخبر عنهم، فقال سبحانه: {الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية}: مكة، {الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا}: من عندك وليا، {واجعل لنا من لدنك نصيرا} على أهل مكة. والمستضعفين من الرجال، يعني المؤمنين، قال ابن عباس، رحمه الله: كنت أنا وأمي من المستضعفين من النساء والولدان...
- ابن العربي: قال مالك: الواجب استنقاذ أسرى المسلمين من أيدي العدو. إما ببذل النفوس أو الأموال، حتى لا تبقى عين منا تطرف، ولا يبقى لأحدهم درهم واحد...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وما لكم أيها المؤمنون لا تقاتلون في سبيل الله، وفي المستضعفين، يقول: عن المستضعفين منكم من الرجال والنساء والولدان؛ فأما من الرجال، فإنهم كانوا قد أسلموا بمكة، فغلبتهم عشائرهم على أنفسهم بالقهر لهم وآذوهم ونالوهم بالعذاب والمكاره في أبدانهم، ليفتنوهم عن دينهم، فحضّ الله المؤمنين على استنقاذهم من أيدي من قد غلبهم على أنفسهم من الكفار، فقال لهم: وما شأنكم لا تقاتلون في سبيل الله وعن مستضعفي أهل دينكم وملتكم الذين قد استضعفهم الكفار فاستذلوهم ابتغاء فتنتهم وصدّهم عن دينهم من الرجال والنساء؟ والولدان جمع ولد: وهم الصبيان.
{الّذِينَ يَقُولونَ رَبّنا أخْرِجْنا مِنَ هذهِ القَرْيَةِ الظّالِمِ أهْلُها}: يعني بذلك أن هؤلاء المستضعفين من الرجال والنساء والولدان يقولون في دعائهم ربهم بأن ينجيهم من فتنة من قد استضعفهم من المشركين: يا ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها، والعرب تسمي كلّ مدينة: قرية، يعني: التي قد ظلمتنا وأنفسها وأهلها. وهي في هذا الموضع فيما فسر أهل التأويل مكة...
{وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّا} يعني أنهم يقولون أيضا في دعائهم: يا ربنا واجعل لنا من عندك وليّا، يلي أمرنا بالكفاية مما نحن فيه من فتنة أهل الكفر بك.
{وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصيرا} يقولون: واجعل لنا من عندك من ينصرنا على من ظلمنا من أهل هذه القرية الظالم أهلها، بصدّهم إيانا عن سبيلك، حتى تظفرنا بهم ونُعلي دينك.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{والمستضعفين} فيه وجهان: أن يكون مجروراً عطفاً على سبيل الله أي في سبيل الله وفي خلاص المستضعفين، ومنصوباً على اختصاص يعني واختص من سبيل الله خلاص المستضعفين، لأنّ سبيل الله عام في كل خير، وخلاص المستضعفين من المسلمين من أيدي الكفار من أعظم الخير وأخصه، والمستضعفون هم الذين أسلموا بمكة وصدّهم المشركون عن الهجرة فبقوا بين أظهرهم مستذلين مستضعفين يلقون منهم الأذى الشديد، وكانوا يدعون الله بالخلاص ويستنصرونه فيسر الله لبعضهم الخروج إلى المدينة، وبقي بعضهم إلى الفتح حتى جعل الله لهم من لدنه خير ولي وناصر وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فتولاهم أحسن التولي ونصرهم أقوى النصر، ولما خرج استعمل على أهل مكة عتاب بن أسيد فرأوا منه الولاية والنصرة كما أرادوا، قال ابن عباس: كان ينصر الضعيف من القوي حتى كانوا أعز بها من الظلمة...
فإن قلت: لم ذكر الولدان؟ قلت: تسجيلاً بإفراط ظلمهم، حيث بلغ أذاهم الولدان غير المكلفين، إرغاماً لآبائهم وأمهاتهم ومبغضة لهم لمكانهم، ولأن المستضعفين كانوا يشركون صبيانهم في دعائهم استنزالاً لرحمة الله بدعاء صغارهم الذين لم يذنبوا، كما فعل قوم يونس وكما وردت السنة بإخراجهم في الاستسقاء، وعن ابن عباس: كنت أنا وأمي من المستضعفين من النساء والولدان، ويجوز أن يراد بالرجال والنساء الأحرار والحرائر، وبالولدان العبيد والإماء، لأنّ العبد والأمة يقال لهما الوليد والوليدة، وقيل للولدان والولائد (الولدان) لتغليب الذكور على الإناث كما يقال الآباء والإخوة...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
والآية تتناول المؤمنين والأسرى وحواضر الشرك إلى يوم القيامة، ووحد الظالم لأنه موضع اتخاذ الفعل، ألا ترى أن الفعل إنما تقديره الذي ظلم أهلها، ولما لم يكن للمستضعفين حيلة إلا الدعاء، دعوا في الاستنقاذ وفيما يواليهم من معونة الله تعالى وما ينصرهم على أولئك الظلمة من فتح الله تبارك وتعالى.
اعلم أن المراد منه إنكاره تعالى لتركهم القتال، فصار ذلك توكيدا لما تقدم من الأمر بالجهاد...
قوله: {وما لكم لا تقاتلون} يدل على أن الجهاد واجب، ومعناه أنه لا عذر لكم في ترك المقاتلة وقد بلغ حال المستضعفين من الرجال والنساء والولدان من المسلمين إلى ما بلغ في الضعف، فهذا حث شديد على القتال، وبيان العلة التي لها صار القتال واجبا، وهو ما في القتال من تخليص هؤلاء المؤمنين من أيدي الكفرة، لأن هذا الجمع إلى الجهاد يجري مجرى فكاك الأسير...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان التقدير: فما لكم لا تقاتلون في سبيل الله لهذا الأجر الكثير ممن لا يخلف الميعاد، وكانوا يقولون : إنا لا نعطي الميراث إلا لمن يحمي الذمار، ويذب عن الجار، ويمنع الحوزة؛ قال عاطفاً على هذا المقدر ملهباً لهم و مهيجاً، ومبكتاً للقاعدين وموبخاً: {وما} أي وأي شيء {لكم} من دنيا آو آخره حال كونكم {لا تقاتلون} أي تجددون القتال في كل وقت، لا تملونه {في سبيل الله} أي بسبب تسهيل طريق الملك الذي له العظمة الكاملة والغنى المطلق وبسبب خلاص {و المستضعفين} أي المطلوب من الكفار ضعفهم حتى صار موجوداً، ويجوز -وهو أقعد- أي يكون منصوباً على الاختصاص تنبيهاً على أنه من أجل ما في سبيل الله.
ولما كان الإنكاء من هذا ما لمن كان رجاء نفعه أعظم، ثم ما لمن يكون العار به أقوى وأحكم؛ رتبهم هذا الترتيب فقال: {من الرجال والنساء والولدان} أي المسلمين الذين حبسهم الكفار عن الهجرة، وكانوا يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم، وكل منهما كافٍ في بعث ذوي الهمم العالية والمكارم على القتال، ثم وصفهم بما يهيج إلى نصرهم ويحث على غياثهم فقال: {الذين يقولون} أي لا يفترون {ربنا} أي أيها المحسن إلينا بإخراجنا من الظلمات إلى النور {أخرجنا من هذه القرية} ثم وصفوها بالحامل على هذا الدعاء فقالوا: {الظالم أهلها} أي بما تيسره لنا من الأسباب {واجعل لنا من لدنك} أي من أمورك العجيبة في الأمور الخارقة للعادات {ولياً} يتولى مصالحنا.
ولما كان الولي قد لا يكون فيه قوة النصر قالوا: {واجعل لنا} ولما كانوا يريدون أن يأتيهم خوارق كرروا قولهم: {من لدنك نصيراً} أي بليغ النصر إلى حد تعجب منه المعتادون للخوارق، فكان بهذا الكلام كأنه سبحانه وتعالى قال: قد جعلت لكم الحظ الأوفر من الميراث، فما لكم لا تقاتلون في سبيلي شكراً لنعمتي وأين ما تدّعون من الحمية والحماية! ما لكم لا تقاتلون في نصر هؤلاء الضعفاء لتحقق حمايتكم للذمار ومنعكم للحوزة وذبكم عن الجار!.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله} التفات إلى الخطاب لزيادة الحث على القتال الذي لا بد منه لكونه في سبيل الحق، أي وماذا ثبت لكم من الأعذار في حال ترك القتال حتى تتركوه؟ أي لا عذر لكم ولا مانع يمنعكم أن تقاتلوا في سبيل الله، لإقامة التوحيد مقام الشرك، وإحلال الخير محل الشر، ووضع العدل والرحمة، في موضع الظلم والقسوة: {والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان} أي وفي سبيل المستضعفين، أو وأخص من سبيل الله إنقاذ المستضعفين، من ظلم الأقوياء الجبارين، وهم إخوانكم في الدين، وقد استذلهم أهل مكة ونالوا منهم بالعذاب والقهر، ومنعوهم من الهجرة ليفتنوهم عن دينهم، ويردوهم في ملتهم.
قال الأستاذ الإمام: الخطاب لضعفاء الإيمان من المسلمين، لا للمنافقين، والمستضعفون هم المؤمنون المحصورون في مكة يضطهدهم المشركون ويظلمونهم وقد جعل لهم سبيلا خاصا عطفه على سبيل الله مع أنه داخل فيه كما علم من تفسيرنا له، والنكتة فيه إثارة النخوة، وهز الأريحية الطبيعية، وإيقاظ شعور الأنفة والرحمة، ولذلك مثل حالهم، بما يدعو إلى نصرتهم، فقال: {الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا} أقول بين أنهم فقدوا من قومهم لأجل دينهم كل عون ونصير، وحرموا كل مغيث وظهير، فهم لتقطع أسباب الرجاء بهم، يستغيثون ربهم، ويدعونه ليفرج كربهم، ويخرجهم من تلك القرية وهي وطنهم، لظلم أهلها لهم، ويسخر لهم بعنايته الخاصة من يتولى أمرهم، وينصرهم على من ظلمهم، ليهاجروا إليكم، ويتصلوا بكم، فإن رابطة الإيمان، أقوى من روابط الأنساب والأوطان، (وإن جهل ذلك في هذا الزمان من لا حظ لهم من الإسلام) فليكن كل منكم وليا لهم ونصيرا. وقد بينا بعض ما كان عليه مشركو مكة من ظلم المسلمين وتعذيبهم، ليردوهم عن دينهم، في تفسير {والفتنة أشد من القتل} [البقرة:191] من سورة البقرة حتى كان ذلك سبب الهجرة وما كل أحد قدر على الهجرة فالنبي (صلى الله عليه وسلم) وصاحبه (صلى الله عليه وسلم) هاجرا ليلا ولو ظفروا بهما لقتلوهما إن استطاعوا وكانوا يصدون سائر المسلمين عن الهجرة، ويعذبون مريدها عذابا نكرا، وما كان سبب شرع القتال إلا عدم حرية الدين، وظلم المشركين للمسلمين، ومع هذا كله، وما أفاضت به الآيات من بيانه، يقول الجاهلون والمتجاهلون: إن الإسلام نشر بالسيف والقوة، فأين كانت القوة من أولئك المستضعفين؟.
القتال في نفسه أمر قبيح ولا يجيز العقل السليم ارتكاب القبيح إلا لإزالة شر أقبح منه، والأمور بمقاصدها وغاياتها، ولذلك بين القرآن في عدة مواضع حكمة القتال وكونه للضرورة وإزالة المفسدة، وإدالة المصلحة، ولم يكتف هنا ببيان ما في هذه الآية من كون القتال المأمور به مقيدا في سبيل الله وهي سبيل الحق والعدل، وإنقاذ المستضعفين المظلومين من الظلم، حتى أكده بإعادة ذكره، مع مقابلته بضده، وهو ما يقاتل الكفار لأجله، فقال: {الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت}.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ثم يلتفت السياق إلى المسلمين. يلتفت من أسلوب الحكاية والتصوير عن أولئك المبطئين؛ إلى أسلوب الخطاب للجماعة المسلمة كلها. يلتفت إليها لاستجاشة مروءة النفوس، وحساسية القلوب؛ تجاه المستضعفين من الرجال والنساء والولدان؛ الذين كانوا يقاسون في مكة ما يقاسون على أيدي المشركين غير قادرين على الهجرة إلى دار الإسلام والفرار بدينهم وعقيدتهم؛ وهم يتطلعون إلى الخلاص، ويدعون الله أن يجعل لهم مخرجا من دار الظلم والعدوان.. يلتفت هذه الالتفاتة ليوحي إليهم بسمو المقصد، وشرف الغاية، ونبل الهدف، في هذا القتال، الذي يدعوهم أن ينفروا إليه، غير متثاقلين ولا مبطئين. وذلك في أسلوب تحضيضي؛ يستنكر البطء والقعود: (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله، والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان. الذين يقولون: ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها، واجعل لنا من لدنك وليا، واجعل لنا من لدنك نصيرا؟).. وكيف تقعدون عن القتال في سبيل الله؛ واستنفاذ هؤلاء المستضعفين من الرجال والنساء والولدان؟ هؤلاء الذين ترتسم صورهم في مشهد مثير لحمية المسلم، وكرامة المؤمن، ولعاطفة الرحمة الإنسانية على الإطلاق؟ هؤلاء الذين يعانون أشد المحنة والفتنة؛ لأنهم يعانون المحنة في عقيدتهم، والفتنة في دينهم. والمحنة في العقيدة أشد من المحنة في المال والأرض والنفس والعرض، لأنها محنة في أخص خصائص الوجود الإنساني، الذي تتبعه كرامة النفس والعرض، وحق المال والأرض! ومشهد المرأة الكسيرة والولد الضعيف، مشهد مؤثر مثير. لا يقل عنه مشهد الشيوخ الذين لا يملكون أن يدفعوا -وبخاصة حين يكون الدفع عن الدين والعقيدة- وهذا المشهد كله معروض في مجال الدعوة إلى الجهاد. وهو وحده يكفي. لذلك يستنكر القعود عن الاستجابة لهذه الصرخات.. وهو أسلوب عميق الوقع، بعيد الغور في مسارب الشعور والإحساس. ولا بد من لفتة هنا إلى التصور الإسلامي للبلد والأرض والوطن: إن (هذه القرية الظالم أهلها) التي يعدها الإسلام -في موضعها ذاك- دار حرب، يجب أن يقاتل المسلمون لاستنقاذ المسلمين المستضعفين منها، هي "مكة "وطن المهاجرين، الذين يدعون هذه الدعوة الحارة إلى قتال المشركين فيها. ويدعو المسلمون المستضعفين هذه الدعوة الحادة للخروج منه! إن كونها بلدهم لم يغير وضعها في نظر الإسلام -حين لم تقم فيها شريعة الله ومنهجه؛ وحين فتن فيها المؤمنون عن دينهم، وعذبوا في عقيدتهم.. بل اعتبرت بالنسبة لهم هم أنفسهم "دار حرب".. دار حرب، هم لا يدافعون عنها، وليس هذا فحسب بل هم يحاربونها لإنقاذ إخوتهم المسلمين منها.. إن راية المسلم التي يحامي عنها هي عقيدته. ووطنه الذي يجاهد من أجله هو البلد الذي تقام شريعة الله فيه؛ وأرضه التي يدفع عنها هي دار الإسلام التي تتخذ المنهج الإسلامي منهجا للحياة.. وكل تصور آخر للوطن هو تصور غير إسلامي، تنضح به الجاهليات، ولا يعرفه الإسلام...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
أولها: أن المراد من القرية مكة، وقد وصف أهلها بأنهم ظالمون، ولم توصف هي بأنها ظالمة، كما وصف غيرها من القرى مثل قوله تعالى: {وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشَتَها (58)} (القصص) وذلك تكريم لمكة، إذ هي حرم الله الآمن، ولم يمكن أن يوصف حرم الله الآمن بالظلم، ولو على سبيل المجاز والتقدير. وقد قال ناصر الدين السكندري في كتابه "الانتصاف "في هذه الآية ما نصه: "ووقفت على نكتة في هذه الآية حسنة، وهي أن كل قرية ذكرت في الكتاب العزيز، فالظلم إليها ينسب بطريق المجاز، كقوله تعالى: {وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة (112)} (النحل)، إلى قوله تعالى: {فكفرت بأنعم الله}، وقوله تعالى: {وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها (58)} (القصص)، وأما هذه القرية في سورة النساء، فينسب الظلم إلى أهلها على الحقيقة، لأن المراد بها مكة، فوُقِّرت عن نسبة الظلم إليها، تشريفا لها، شرفها الله تعالى. ثانيها: أن النص يفيد أنهم يحسون بأن النصرة لا تكون إلا من الله، وأن الولاية لا تكون إلا منه فهم بذلك معتزون مطمئنون، ولو كانوا مستضعفين لا حول لهم ولا طول؛ لأن من التجأ إلى الله تعالى عزيز، ولو كان في أرض الذل. ثالثها: في التعبير {لَّدُنك} وهي بمعنى (عند)، ولا تكاد تستعمل في القرآن إلا مضافة إلى لفظ الجلالة، وعلى أي حال هي تفترق عن عند بأن (عند) تستعمل للعلو، والانخفاض في العندية، كما تستعمل في التساوي، فيقال فلان عند فلان إذا كانا متساويين في الرتبة أو أحدهما دون الآخر، أما (لدنك) فإنها لا تستعمل إلا إذا كان المضاف إليه عليا، والمضاف دونه، فهذا التعبير يشير إلى أن أولئك الضعفاء قد لجأوا إلى الجانب الأعلى الذي لا يدانيه علو في الأرض ولا في السماء، وإذا كانوا قد لجأوا إلى الله، فإن الله ناصرهم...
الآية تبدأ بالتعجيب، ذلك أنه بعد إيضاح لون الجزاء على القتال في سبيل الله كان لابد أن يصير هذا القتال متسقا مع الفطرة الإنسانية، ونحن نقول في حياتنا العادية: وما لك لا تفعل كذا؟ كأننا نتساءل عن سبب التوقف عن فعل يوحى به الطبع، والعقل. فإن لم يفعله الإنسان صار عدم الفعل مستغربا وعجيبا. فالقتال في سبيل الله بعد أن أوضح الله أنه يعطي نتائج رائعة، فالذي لا يفعله يصبح مثارا للتعجب منه، ولذلك يقول الحق: {ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله} أي إعلاء كلمة الله، ومرة يأتي القتال وذلك بأن يقف الإنسان المؤمن بجانب المستضعف الذي أوذي بسبب دينه. ويكون ذلك أيضا لإعلاء كلمة الله.
يقول سبحانه: {ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين} أي أن القتال يكون في سبيل الله وفي خلاص المستضعفين، وفي ذلك استثارة للهمم الإنسانية حتى يقف المقاتل في سبيل رفع العذاب عن المستضعفين، بل إننا نقاتل ولو من باب الإنسانية لأجل الناس المستضعفين في سبيل تخليصهم من العذاب؛ لأنهم ماداموا صابرين على الإيمان مع هذا العذاب، فهذا دليل على قوة الإيمان، وهم أولى أن ندافع عنهم ونخلصهم من العذاب.
ويعطينا سبحانه ذلك في أسلوب تعجب: {ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين} فكأن منطق العقل والعاطفة والدين يحكم أن نقاتل، فإذا لم نقاتل، فهذه مسالة تحتاج إلى بحث.
وساعة يطرح ربنا مثل هذه القضية يطرحها على أساس أن كل الناس يستوون عند رؤيتها في أنها تكون مثارا للعجب لديهم، مثلها مثل قوله الحق: {كيف تكفرون بالله} (من الآية28 سورة البقرة).
يعني كيف تكفرون بربنا أيها الكفار؟ إن هذه مسألة عجيبة لا تدخل في العقل، فليقولوا لنا إذن: كيف يكفرون بربنا؟.
{ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال} وكلمة {والمستضعفين} يأتي بعدها {من الرجال} والمفروض في الرجل القوة، وهذا يلفتنا إلى الظرف الذي جعل الرجل مستضعفا، ومن يأتي بعده أشد ضعفا. {المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا} فقد بلغ من اضطهاد الكفار لهم أن يدعو الله أن يخرجهم من هذه القرية الظالم أهلها، والقرية هي "مكة".
وقصة هؤلاء تحكي عن أناس من المؤمنين كانوا بمكة وليست لهم عصبية تمكنهم من الهجرة بعد أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم ممنوعون من أن يهاجروا، وظلوا على دينهم، فصاروا مستضعفين: رجالا ونساء وولدانا، فالاضطهاد الذي أصابهم اضطهاد شرس لم يرحم حتى الولدان، فيقول الحق للمؤمنين: {ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان}.
وهؤلاء عندما استضعفوا ماذا قالوا؟. قالوا: {ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا} وعبارة الدعاء تدل على أنهم لن يخرجوا بل سيظل منهم أناس وثقوا في أنفسهم سوف يأتيهم ولي أمرهم من المسلمين، فكأنها أوحت لنا بأنه سيوجد فتح لمكة. وقد كان.
لقد جعل الله لهم من لدنه خير ولي وخير ناصر وهو محمد صلى الله عليه وسلم فتولاهم أحسن التولي ونصرهم أقوى النصر.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
الاستعانة بالعواطف والمشاعر الإِنسانية:
كانت الآية السابقة تطالب المؤمنين بالجهاد معتمدة على إِيمانهم بالله واليوم الآخر، وقد اعتمدت أيضاً قضية الربح والخسارة في سياق دعوتها إِلى الجهاد، أمّا هذه الآية فتستند في دعوتها الجهادية إِلى العواطف والمشاعر الإِنسانية وتستثيرها في هذا الاتجاه فهي تخاطب مشاعر المؤمنين وعواطفهم بعرض ما يتحمله الرجال والنساء والأطفال المضطهدون من عذاب وظلم بين مخالب الطغاة الجبارين، وتطالب المؤمنين مستثيرة عواطفهم في هذا الاتجاه عن طريق عرض المشاهد المأساوية التي يعاني منها المستضعفون وتدعوهم إِلى الجهاد في سبيل الله من أجل إِنقاذ هؤلاء المظلومين فتقول الآية: (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنّساء والولدان...). ولأجل إثارة المشاعر أكثر، تنبّه الآية المؤمنين بأنّ المستضعفين المذكورين لكثرة معاناتهم من البطش والإِرهاب والاضطهاد قد انقطع أملهم في النجاة ويئسوا من كل عون خارجي، فأخذوا يدعون الله لإِخراجهم من ذلك المحيط الرهيب المشحون بأنواع البطش والرعب والظلم الفاحش: (الذين يقولون ربّنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها) ويطلب المستضعفون من الله أيضاً أن يرسل لهم من يتولى الدفاع عنهم وينجيهم من الظالمين بقولهم: (واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً)...
الآية في الواقع نشير إِلى أنّ الله قد استجاب دعاء المستضعفين، فهذه الرسالة الإِنسانية الكبرى قد أوكلت إِليكم أنتم أيّها المسلمون المخاطبون، فقد أصبحتم أنتم «الولي» المرتقب وأنتم «النصير» من قبل الله تعالى لإِنقاذ المستضعفين، من هنا عليكم أن تنهضوا بهذه المسؤولية وتستثمروا هذه المكانة الكبرى المناطة إِليكم ولا تضيعوها...
والآية هذه يستفاد منها أيضاً عدّة أُمورهي:
-إِنّ الجهاد في سبيل الله وكما أُشير إِليه من قبل ليس من أجل انتزاع الأموال والسلطة والثروات من أيدي الآخرين، كما أنّه لا يستهدف إِيجاد أسواق لاستهلاك البضائع أو لفرض عقائد خاصّة بالقوّة، بل أنه يستهدف نشر الفضيلة والإِيمان والدفاع عن المظلومين والمضطهدين من النساء والرجال والولدان، ومن هذا المنطلق يتّضح أنّ للجهاد هدفين شاملين جامعين أشارت الآية إِليهما، أحدهما «ربّاني»، وآخر «إِنساني» يكمل أحدهما الآخر، ولا ينفصلان، بل كلاهما يعودان إِلى حقيقة واحدة.
- إِنّ الإِسلام يرى أن المحيط السالم الذي يمكن للإِنسان أن يعيش فيه، هو ذلك المحيط الذي يوفّر الحرية للإِنسان، ويضمن له العمل بما يعتقد دون مانع أو أذى، ويرى الإِسلام أيضاً أنّ المحيط الذي يسوده الكبت والإِرهاب والقمع، ولا يستطيع المسلم فيه إِظهار عقيدته أو إِعلان إِسلامه، فهو محيط لا يجدر بالإِنسان المسلم أن يبقى فيه، لذلك فإِن الآية تنقل عن المؤمنين دعاءهم إِلى الله لكي يخلصهم من مثل هذا الجو المليء بالقمع والإِرهاب. وعلى الرغم من أن مكّة كانت ملجأ وملاذاً للمهاجرين، فإِنّ تفشي الظلم فيها جعل المؤمنين يدعون الله لإِنقاذهم من ظلم أهل هذه المدينة، وييسر لهم سبيلا إِلى الخروج منها.
-وفي نهاية الآية نرى أنّ المؤمنين الذين يعانون من محيطهم الظالم، يسألون الله أن يبعث لهم من يتولى شؤونهم، وأن يمدهم أيضاً بمن ينصرهم على الظالمين ويخلصهم من مخالبهم، ويفهم من هذه الآية أهمية القيادة الصالحة، وأهمية قدرة هذه القيادة في إنقاذ المظلومين وضرورة امتلاكها من العدد والعدّة ما يمكنها من القيام بسمؤوليتها الخطيرة هذه.
بذلك نستنتج من الآية العناصر التي يجب أن تتوفر في كل قيادة إِسلامية، وهي كما يلي:
أ- أن تكون القيادة صالحة بما في كلمة الصلاح من شمولية. ب -أن تكون قوية مقتدرة أن تملك العدد والعدّة الكافيين، بالإِضافة إِلى الخطط العسكرية التي تضمن نجاح استخدام القوّة الموجودة.
- تبيّن الآية أنّ المؤمنين يطلبون حاجاتهم من الله العلي القدير وحده، ولا يلجؤون إِلى غيره في حوائجهم، حتى أنّهم يسألون الله أن يمدهم بمن يتولى الدفاع عنهم وينصرهم على الظالمين...