ثم ذكر - سبحانه - صفات أخرى من صفاته الجليلة فقال : { لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .
أى . له - سبحانه - وحده دون أن يشاركه مشارك ، ملك السموات والأرض ، إذ هو - تعالى - المتصرف فيهما ، والخالق لهما ، إن شاء أبقاهما وإن شاء أزالهما .
وملكه - سبحانه - للسموات والأرض ، ملك حقيقى ، لأنه لا ينازعه فيه منازع ، ولا يشاركه مشارك . . . بخلاف ملك غيره لبعض متاع الدنيا ، فإنه ملك زائل مهما طال ، ومفتقر إلى من يحميه ويدافع عنه .
وقوله : { يُحْيِي وَيُمِيتُ } صفة أخرى من صفاته - عز وجل - أى : هو الخالق للحياة لمن شاء أن يحييه ، وهو الخالق للموت لمن أراد أن يميته .
وهذه الجملة خبر لمبتدأ محذوف ، وهى فى الوقت نفسه بدل اشتمال مما قبلها إذ الإحياء والإمانة ، مما يشتمل عليه ملك السموات والأرض .
وخص - سبحانه - هاتين الصفتين بالذكر ، لأنه هو المتفرد بهما ، ولا يستطيع أحد أن يدعى أن له عملا فيهما ، ومن ادعى ذلك كانت دعواه من قبيل المغالطة والمجادلة بالباطل ، إذ الموجد الحقيقى لهما هو الله - عز وجل - وما سواه فهو سبب لهما .
وقوله - تعالى - : { وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } تذييل مؤكد لما قبله . أى : وهو - سبحانه - على كل شىء من الأشياء التى من جملتها ما ذكر - قدير على إيجادها أو إعدامها .
وما يكاد القلب البشري يفيق من فيض هذا النص ، ومن مهرجان الوجود المسبح لخالقه في السماوات والأرض ، حتى يعالجه السياق برحلة جديدة في ملكوت السماوات والأرض :
( له ملك السماوات والأرض ، يحيي ويميت ، وهو على كل شيء قدير ) . .
إن كل شيء في السماوات والأرض سبح لله . مالك السماوات والأرض . الذي لا شريك له في ملكه . فهو تسبيح المملوك لمالكه المتفرد ، الذي يحيي ويميت ، فيخلق الحياة ويخلق الموت . ويقدر الحياة لكل حي ويقدر له الموت ؛ فلا يكون إلا قدره الذي قضاه .
والحياة ما تزال سرا في طبيعتها ، وسرا في مصدرها ؛ ولا يملك أحد أن يقول من أين جاءت ، ولا كيف جاءت . فضلا على أن أحدا لا يدري ما هي على وجه الحقيقة . والنص القرآني يقول : إن الله هو الذي يحيي . الذي يعطي الحياة للأحياء . وما يملك أحد أن ينكر هذا ولا أن يثبت غيره . والموت كالحياة سر مغلف . لا يعرف أحد طبيعته ولا يملك أحد أن يحدثه . لأن أحدا غير واهب الحياة لا يملك سلبها . . وهذا وذلك من مظاهر الملكية المطلقة لله في السماوات والأرض يحيي ويميت . . .
( وهو على كل شيء قدير ) . . إجمالا بغير حد ولا قيد . فالمشيئة المطلقة تمضي بغير حد ولا قيد . وتتعلق
بما تشاء أن تتعلق به كما تشاء . وكل قيد يتصوره العقل البشري بمنطقه هو لهذه المشيئة من أي نوع وأي لون هو تصور باطل ، ناشيء من طبيعة العقل البشري المحدود ! واختيار المشيئة لنواميس وسنن لهذا الوجود داخل في حقيقة انطلاقها بلا قيود ولا حدود . فهي تختار هذه النواميس والسنن اختيارا طليقا ، وتعملها في الكون غير مقيدة بها بعد إعمالها ، ولا محصورة في نطاقها . والاختيار دائم ومطرد وراء هذه السنن والنواميس . .
والقرآن يولي هذه الحقيقة عناية كبيرة ، فينص عليها في كل مناسبة بما يفيد طلاقة المشيئة من كل قيد يرد عليها حتى من عملها هي . لتبقى هذه الحقيقة واضحة ، ويبقى تصورها غير مشوب . فقد وعد الله أهل الجنة بالخلود فيها وأهل النار كذلك . وهذا الوعد صادر من المشيئة . ولكنه أبقى المشيئة طليقة خارج نطاق هذا الوعد ذاته وهو من عملها وباختيارها . فقال عن هؤلاء وهؤلاء : ( خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك . . ) . . وهكذا في كل موضع وردت فيه مثل هذه المناسبة . ولا مجال لمنطق العقل البشري ولا لمقرراته في هذا المجال . وعليه أن يأخذ مقرراته كلها من هذا القرآن ، لا من معين آخر غير القرآن !
ومن ثم يتمثل للقلب البشري من خلال هذه الآية سلطان الله المطلق في ملكه الذي لا شريك له فيه ، والذي يتوجه إليه سبحانه بالتسبيح وحق له أن يتوجه ، وحق عليه أن يسبح .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.