{ 34 - 41 } { فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى * فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى } أي : إذا جاءت القيامة الكبرى ، والشدة العظمى ، التي يهون عندها كل شدة ، فحينئذ يذهل الوالد عن ولده ، والصاحب عن صاحبه [ وكل محب عن حبيبه ] .
ثم بين - سبحانه - حال الأشقياء والسعداء يوم القيامة ، فقال : { فَإِذَا جَآءَتِ الطآمة الكبرى } . والطامة : اسم للمصيبة العظمى ، التى تَطُمُّ وتغلب وتعلو ما سواها من مصائب ، من قولهم : طمَّ الشئ يطُمُّه طَمّاً ، إذا غمره .
وكل شئ كثر وعلا على غيره ، فقد طم عليه . ويقال : طم الماء الأرض إذا غمرها .
وهذا الوصف ليوم القيامة ، من أوصاف التهويل والشدة ، لأن أحوالها تغمر الناس وتجعلهم لا يفكرون فى شئ سواها .
وجواب الشرط محذوف ، والمجئ هنا : بمعنى الحدوث والوقوع ، أى : فإذا وقعت القيامة ، وقامت الساعة . . حدث ما لم يكن فى الحسبان من شدائد وأهوال
( فإذا جاءت الطامة الكبرى ، يوم يتذكر الإنسان ما سعى ، وبرزت الجحيم لمن يرى . فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا ، فإن الجحيم هي المأوى ، وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ، فإن الجنة هي المأوى ) . .
إن الحياة الدنيا متاع . متاع مقدر بدقة وإحكام . وفق تدبير يرتبط بالكون كله ونشأة الحياة والإنسان . ولكنه متاع . متاع ينتهي إلى أجله . . فإذا جاءت الطامة الكبرى غطت على كل شيء ، وطمت على كل شيء . على المتاع الموقوت . وعلى الكون المتين المقدر المنظم . على السماء المبنية والأرض المدحوة والجبال المرساة والأحياء والحياة وعلى كل ما كان من مصارع ومواقع . فهي أكبر من هذا كله ، وهي تطم وتعم على هذا كله !
يجوز أن يكون التفريع على الاستدلال الذي تضمنه قوله : { أأنتم أشد خلقاً أم السماء } [ النازعات : 27 ] الآيات ، فإن إثبات البعث يقتضي الجزاء إذ هو حكمته . وإذا اقتضى الجزاء كان على العاقل أن يعمل لجزاء الحسنى ويجتنب ما يوقع في الشقاء وأن يهتم بالحياة الدائمة فيؤثرها ولا يكترث بنعيم زائل فيتورط في اتباعه ، فلذلك فرع على دليل إثبات البعث تذكير بالجزاءين ، وإرشاد إلى النجدين .
وإذ قد قُدّم قبل الاستدلال تحذيرٌ إجماليّ بقوله : { يوم ترجف الراجفة } [ النازعات : 6 ] الآية كما يذكر المطلوب قبل القياس في الجدل ، جيء عقب الاستدلال بتفصيل ذلك التحذير مع قرنه بالتبشير لمن تحلى بضده فلذلك عبر عن البعث ابتداء بالراجفة لأنها مبدؤه ، ثم بالزجرة ، وأخيراً بالطامة الكبرى لما في هذين الوصفين من معنى يشمل الراجفة وما بعدها من الأهوال إلى أن يستقر كل فريق في مقره .
ومن تمام المناسبة للتذكير بيوم الجزاء وقوعه عقب التذكير بخلق الأرض ، والامتنان بما هَيّأ منها للإِنسان متاعاً به ، للإِشارة إلى أن ذلك ينتهي عندما يحين يوم البعث والجزاء .
ويجوز أن يجعل قوله : { فإذا جاءت الطامة الكبرى } مفرعاً على قوله : { فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة } [ النازعات : 13 ، 14 ] فإن الطامة هي الزجرة .
ومناط التفريع هو ما عقبه من التفصيل بقوله : { فأما من طغى } الخ إذ لا يلتئم تفريع الشيء على نفسه .
( وإذا ) ظرف للمستقبل فلذلك إذا وقع بعد الفعل الماضي صُرف إلى الاستقبال ، وإنما يُؤتى بعد ( إذا ) بفعل الماضي لزيادة تحقيق ما يفيده ( إذا ) من تحقق الوقوع .
والمجيءُ : هنا مجاز في الحصول والوقوع لأن الشيء الموقّت المؤجل بأجل يشبه شخصاً سائراً إلى غاية ، فإذا حصل ذلك المؤجل عند أجله فكأنه السائرُ إلى ، إذا بلغ المكان المقصود .
والطامة : الحادثة ، أو الوقعة التي تَطِمُّ ، أي تعلو وتغلب بمعنى تفوق أمثالها من نوعها بحيث يقل مثلها في نوعها ، مأخوذ من طَمَّ الماء ، إذا غمر الأشياء وهذا الوصف يؤذن بالشدة والهول إذ لا يقال مثله إلا في الأمور المهولة ثم بولغ في تشخيص هولها بأن وصفت ب { الكبرى } فكان هذا أصرح الكلمات لتصوير ما يقارن هذه الحادثة من الأهوال .
والمراد بالطامة الكبرى : القيامة وقد وصفت بأوصاف عديدة في القرآن مثل الصاخّة والقارعة والراجفة ووصفت بالكبرى .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
يعني العظمى... وهي يوم القيامة...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
فإذا جاءت التي تطمّ على كل هائلة من الأمور، فتغمر ما سواها بعظيم هولها، وقيل: إنها اسم من أسماء يوم القيامة.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قيل: الطامة، هي الصيحة؛ سميت طامة لأنها تطم الأشياء، وتعمها، وسميت كبرى لأنها طمت بالعذاب، فهو يدوم، ولا ينقطع، وإن أحاطت بالثواب والكرامة فهي تدوم، فسميت كبرى لدوامها...
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
والطامة عند العرب الداهية التي لا تُستطاع، وإنّما أخذت من قولهم طمّ الفرس طميمها إذا استفرغ جهده الجري...
... قال القفال: أصل الطم الدفن والعلو، وكل ما غلب شيئا وقهره وأخفاه فقد طمه، ومنه الماء الطامي وهو الكثير الزائد، والطاغي والعاتي والعادي سواء، وهو الخارج عن أمر الله تعالى المتكبر، فالطامة اسم لكل داهية عظيمة ينسى ما قبلها في جنبها...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{فإذا جاءت} أي بعد الموت {الطامة الكبرى} أي الداهية الدهياء التي تطم -أي تعلو- على سائر الدواهي وتغطيها فتكون أكبر داهية توجد، وهي البعث بالنفخة الثانية...
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
شروعٌ في بيانِ أحوالِ معادِهم إثرَ بيانِ أحوالِ معاشِهم بقولِه تعالى: {متاعا لكُمْ} [سورة المائدة، الآية 96] الخ، والفاءُ للدلالة على ترتب ما بعدَها على ما قبلَها عما قليلٍ كما ينبئُ عنه لفظُ المتاعِ...
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
قيل: فوصفها بالكبرى للتأكيد ولو فسرها كونها طامة بكونها غالبة للخلائق لا يقدرون على دفعها لكان الوصف مخصصاً وقيل كونها طامة باعتبار أنها تغلب وتفوق ما عرفوه من دواهي الدنيا وكونها كبرى باعتبار أنها أعظم من جميع الدواهي مطلقاً وقيل غير ذلك وأنت تعلم أن الطامة الكبرى صارت كالعلم للقيامة...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
إن الحياة الدنيا متاع. متاع مقدر بدقة وإحكام. وفق تدبير يرتبط بالكون كله ونشأة الحياة والإنسان. ولكنه متاع. متاع ينتهي إلى أجله.. فإذا جاءت الطامة الكبرى غطت على كل شيء، وطمت على كل شيء. على المتاع الموقوت. وعلى الكون المتين المقدر المنظم. على السماء المبنية والأرض المدحوة والجبال المرساة والأحياء والحياة وعلى كل ما كان من مصارع ومواقع. فهي أكبر من هذا كله، وهي تطم وتعم على هذا كله!...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
(وإذا) ظرف للمستقبل فلذلك إذا وقع بعده الفعل الماضي صُرف إلى الاستقبال، وإنما يُؤتى بعد (إذا) بفعل الماضي لزيادة تحقيق ما يفيده (إذا) من تحقق الوقوع. والمجيءُ: هنا مجاز في الحصول والوقوع لأن الشيء الموقّت المؤجل بأجل يشبه شخصاً سائراً إلى غاية، فإذا حصل ذلك المؤجل عند أجله فكأنه السائرُ إلى، إذا بلغ المكان المقصود. والطامة: الحادثة، أو الوقعة التي تَطِمُّ، أي تعلو وتغلب بمعنى تفوق أمثالها من نوعها بحيث يقل مثلها في نوعها، مأخوذ من طَمَّ الماء، إذا غمر الأشياء وهذا الوصف يؤذن بالشدة والهول إذ لا يقال مثله إلا في الأمور المهولة ثم بولغ في تشخيص هولها بأن وصفت ب {الكبرى} فكان هذا أصرح الكلمات لتصوير ما يقارن هذه الحادثة من الأهوال. والمراد بالطامة الكبرى: القيامة وقد وصفت بأوصاف عديدة في القرآن مثل الصاخّة والقارعة والراجفة ووصفت بالكبرى...