معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ} (11)

قوله تعالى : { ما كذب الفؤاد ما رأى } قرأ أبو جعفر { ما كذب } بتشديد الذال ، أي : ما كذب قلب محمد صلى الله عليه وسلم الذي رأى بعينه تلك الليلة ، بل صدقه وحققه ، وقرأ الآخرون بالتخفيف ، أي : ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم الذي رأى بل صدقه ، يقال : كذبه إذا قاله له : الكذب ، وصدقه إذا قال له : الصدق ومجازه ما كذب الفؤاد فيما رأى ، واختلفوا في الذي رآه ، فقال قوم : رأى جبريل ، وهو قول ابن مسعود وعائشة .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا حفص هو ابن غياث عن الشيباني عن زر عن عبد الله قال :{ ما كذب الفؤاد ما رأى } قال : رأى جبريل وله ستمائة جناح . وقال آخرون : هو الله عز وجل . ثم اختلفوا في معنى الرؤية ، فقال بعضهم : جعل بصره في فؤاده فرآه بفؤاده ، وهو قول ابن عباس .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا وكيع ، حدثنا الأعمش عن زياد بن الحصين عن أبي العالية عن ابن عباس :{ ما كذب الفؤاد ما رأى ولقد رآه نزلة أخرى } قال : رآه بفؤاده مرتين . وذهب جماعة إلى أنه رآه بعينه ، وهو قول أنس والحسن وعكرمة ، قالوا : رأى محمد ربه ، وروى عكرمة عن ابن عباس قال : إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة واصطفى موسى بالكلام واصطفى محمداً صلى الله عليه وسلم بالرؤية . وكانت عائشة رضي الله عنها تقول : لم ير النبي صلى الله عليه وسلم ربه ، وتحمل الآية على رؤيته جبريل عليه السلام .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا يحيى بن وكيع عن إسماعيل بن خالد عن عامر عن مسروق قال : قلت لعائشة يا أماه هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه ؟ فقالت : لقد تكلمت بشيء قف له شعري مما قلت ، أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب ؟ من حدثك أن محمداً رأى ربه فقد كذب ، ثم قرأت : { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير }( الأنعام-103 ) ، { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب }( الشورى-51 ) ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ، ثم قرأت : { وما تدري نفس ماذا تكسب غدا } ( لقمان-34 ) ومن حدثك أنه كتم شيئاً فقد كذب ، ثم قرأت : { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك }( المائدة-67 ) الآية ، ولكنه رأى جبريل في صورته مرتين .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة بن وكيع عن يزيد بن إبراهيم عن قتادة عن عبد الله بن شقيق عن أبي ذر قال : " سألت النبي صلى الله عليه وسلم : هل رأيت ربك ؟ قال : نور أنى أراه " .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ} (11)

{ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى } أي : اتفق فؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم ورؤيته على الوحي الذي أوحاه الله إليه ، وتواطأ عليه سمعه وقلبه وبصره ، وهذا دليل على كمال الوحي الذي أوحاه الله إليه ، وأنه تلقاه منه تلقيا لا شك فيه ولا شبهة ولا ريب ، فلم يكذب فؤاده ما رأى بصره ، ولم يشك بذلك . ويحتمل أن المراد بذلك ما رأى صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به ، من آيات الله العظيمة ، وأنه تيقنه حقا بقلبه ورؤيته ، هذا [ هو ] الصحيح في تأويل الآية الكريمة ، وقيل : إن المراد بذلك رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الإسراء ، وتكليمه إياه ، وهذا اختيار كثير من العلماء رحمهم الله ، فأثبتوا بهذا رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا ، ولكن الصحيح القول الأول ، وأن المراد به جبريل عليه السلام ، كما يدل عليه السياق ، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى جبريل في صورته الأصلية [ التي هو عليها ] مرتين ، مرة في الأفق الأعلى ، تحت السماء الدنيا كما تقدم ، والمرة الثانية فوق السماء السابعة ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولهذا قال :{ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ} (11)

وقوله : { مَا كَذَبَ الفؤاد مَا رأى } رد على المشركين ، وتكذيب لهم ، فيما زعموه من أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يتلق الوحى عن جبريل ، ولم يشاهده .

واللام فى قوله { الفؤاد } عوض عن المضاف إليه ، والفؤاد : العقل أو القلب ، ومنه قوله - تعالى - :

{ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ موسى فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِه . . } وقراءة الجمهور { كَذَبَ } بفتح الذال مع التخفيف ، وقرأ ابن عامر بفتحها مع التشديد ، و " ما " موصولة ، والعائد محذوف .

أى : ما كذب فؤاد النبى - صلى الله عليه وسلم - وما أنكر ، الذى رآه ببصره من صورة جبرير - عليه السلام - لأنه لم يكن يجهله ، بل كان معروفا لديه ، وصاحب الوحى إليه ، فهو - صلى الله عليه وسلم - ما رآه ببصره من صورة جبريل - عليه السلام - .

أى : ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك ، ولو قال ذلك - لعى سبيل الفرض - لكان كاذبا لأنه عرفه ، يعنى أنه رآه بعينه ، وعرفه بقلبه ، ولم يشك فى أن ما رآه حق .

وقرىء : { مَا كَذَّبَ } - بالتشديد - ، أى : صدقه ولم يشك أنه جبريل بصورته .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ} (11)

وهي حال لا يتأتى معها كذب في الرؤية ، ولا تحتمل مماراة أو مجادلة : ( ما كذب الفؤاد ما رأى . أفتمارونه على ما يرى ? ) . . ورؤية الفؤاد أصدق وأثبت ، لأنها تنفي خداع النظر . فلقد رأى فتثبت فاستيقن فؤاده أنه الملك ، حامل الوحي ، رسول ربه إليه ، ليعلمه ويكلفه تبليغ ما يعلم . وانتهى المراء والجدال ، فما عاد لهما مكان بعد تثبت القلب ويقين الفؤاد .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ} (11)

وقوله : { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى . أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى } قال مسلم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا وَكيع ، حدثنا الأعمش ، عن زياد بن حُصَين ، عن أبي العالية ، عن ابن عباس : { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى } ، { وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى } قال : رآه بفؤاده مرتين{[27588]} .

وكذا رواه سِمَاك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، مثله . وكذا قال أبو صالح والسّدي وغيرهما : إنه رآه بفؤاده مرتين [ أو مرة ] {[27589]} ، وقد خالفه ابن مسعود وغيره {[27590]} ، وفي رواية عنه أنه أطلق الرؤية ، وهي محمولة على المقيدة بالفؤاد . ومن روى عنه بالبصر فقد أغرب ، فإنه لا يصح في ذلك شيء عن الصحابة ، رضي الله عنهم ، وقولُ البغوي في تفسيره : وذهب جماعة إلى أنه رآه بعينه ، وهو قول أنس والحسنُ وعكرمة . فيه نظر ، والله أعلم {[27591]} .

وقال الترمذي : حدثنا محمد بن عمرو بن نَبْهان {[27592]} بن صفوان ، حدثنا يحيى بن كثير العنبري ، عن سَلْم بن جعفر ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : رأى محمد ربه . قلت : أليس الله يقول : { لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ } [ الأنعام : 103 ] قال : ويحك ! ذاك إذا تَجَلى بنوره الذي هو نُورُه ، وقد رأى ربه مرتين .

ثم قال : حسن غريب{[27593]} .

وقال أيضا : حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان ، عن مجالد ، عن الشعبي قال : لقي ابن عباس كعبًا بعرفة ، فسأله عن شيء فكَبَّر حتى جاوبته الجبال ، فقال ابن عباس : إنا بنو هاشم فقال كعب : إن الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى ، فكلم موسى مرتين ورآه محمد مرتين . وقال مسروق : دخلتُ على عائشة فقلت : هل رأى محمد ربه ؟ فقالت : لقد تكلمت بشيء قَفَّ له شعري . فقلت : رُوَيدًا ، ثم قرأتُ : { لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى }

فقالت : أين يُذهَبُ بك ؟ إنما هو جبريل من أخبرك أن محمدا رأى ربه أو كتم شيئا مما أمرَ به ، أو يعلم الخمس التي قال الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ } [ لقمان : 34 ] ، فقد أعظم الفرية {[27594]} ، ولكنه رأى جبريل ، لم يره في صورته إلا مرتين ، مرة عند سدرة المنتهى ومرة في جياد{[27595]} ، وله ستمائة جناح قد سد الأفق{[27596]} .

وقال النسائي : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثني أبي ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : أتعجبون أن تكون الحُلَّة لإبراهيم ، والكلام لموسى ، والرؤية لمحمد ، عليهم السلام ؟ !{[27597]} .

وفي صحيح مسلم ، عن أبي ذر قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : هل رأيتَ ربك ؟ فقال : " نورٌ أنّى أراه " . وفي رواية : " رأيت نورا " {[27598]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد ، عن موسى بن عُبيدةَ ، عن محمد بن كعب قال : قالوا : يا رسول الله ، رأيت{[27599]} ربك ؟ قال : " رأيته بفؤادي مرتين " ثم قرأ : { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى } .

ورواه ابنُ جرير ، عن ابن حُمَيد ، عن مِهْرَان ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب ، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : قلنا : يا رسول الله ، هل رأيت ربك ؟ قال : " لم أره بعيني ، ورأيته بفؤادي مرتين " ثم تلا { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى } {[27600]} .

ثم قال ابن أبي حاتم : وحدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، أخبرني عَبَّاد بن منصور قال : سألت عكرمة : { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى } ، فقال عكرمة : تريد أن أخبرك أنه قد رآه ؟ قلت : نعم . قال : قد رآه ، ثم قد رآه . قال : فسألت عنه الحسن فقال : رأى جلاله وعَظَمته ورِداءَه .

وحدثنا أبي ، حدثنا محمد بن مجاهد ، حدثنا أبو عامر العقدي ، أخبرنا أبو خلدة ، عن أبي العالية قال : سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل رأيت ربك ؟ قال : " رأيت نهرا ، ورأيت وراء النهر حجابا ، ورأيت وراء الحجاب نورا لم أر غير " {[27601]} .

وذلك غريب جدا ، فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد :

حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت ربي عز وجل " {[27602]} .

فإنه حديث إسناده على شرط الصحيح ، لكنه مختصر من حديث المنام كما رواه الإمام أحمد أيضا :

حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا مَعْمَر ، عن أيوب ، عن أبي قِلابة عن ابن عباس ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أتاني ربي الليلة في أحسن صورة - أحسبه يعني في النوم - فقال : يا محمد ، أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ " قال : " قلت : لا . فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بَرْدَها بين ثدييّ - أو قال : نَحْرِي - فعلمت ما في السموات وما في الأرض ، ثم قال : يا محمد ، هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ " قال : " قلت : نعم ، يختصمون في الكفارات والدرجات " . قال : " وما الكفارات والدرجات ؟ " قال : " قلت : المكث في المساجد بعد الصلوات ، والمشي على الأقدام إلى الجُمُعات{[27603]} ، وإبلاغ الوضوء في المكاره ، من فعل ذلك عاش بخير ومات بخير ، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه . وقال : قل يا محمد إذا صليت : اللهم ، إني أسألك الخيرات {[27604]} وترك المنكرات ، وحبّ المساكين ، وإذا أردت بعبادك فتنة أن تقبضني إليك غير مفتون " . قال : " والدرجات بَذْلُ الطعام ، وإفشاء السلام ، والصلاة بالليل والناس نيام " {[27605]} .

وقد تقدم في آخر سورة " ص " ، عن معاذ نحوه {[27606]} . وقد رواه ابن جرير من وجه آخر عن ابن عباس ، وفيه سياق آخر وزيادة غريبة فقال :

حدثني أحمد بن عيسى التميمي ، حدثني سليمان بن عُمَر بن سَيَّار ، حدثني أبي ، عن سعيد بن زَرْبِي ، عن عمر بن سليمان {[27607]} ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " رأيت ربي في أحسن صورة فقال لي : يا محمد ، هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ فقلت : لا يا رب . فوضع يده بين كتفي فوجدت بَرْدَها بين ثدييّ ، فعلمت ما في السموات والأرض ، فقلت : يا رب ، في الدرجات والكفارات ، ونقل الأقدام إلى الجُمُعات{[27608]} ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة . فقلت : يا رب إنك اتخذت إبراهيم خليلا وكلمتَ موسى تكليما ، وفعلت وفعلت ، فقال : ألم أشرح لك صدرك ؟ ألم أضع عنك وِزْرَك ؟ ألم أفعل بك ؟ ألم أفعل ؟ قال : " فأفضى إلي بأشياء لم يؤذن لي أن أحدثكموها " قال : " فذاك قوله في كتابه : { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى . فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى . فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى . مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى } ، فجعل نور بصري في فؤادي ، فنظرت إليه بفؤادي " . إسناده ضعيف{[27609]} .

وقد ذكر الحافظ ابن عساكر بسنده إلى هَبَّار بن الأسود ، رضي الله عنه ؛ أن عتبة بن أبي لهب لما خرج في تجارة إلى الشام قال لأهل مكة : اعلموا أني كافر بالذي دنا فتدلى . فبلغ قوله رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " سَلَّطَ الله عليه كلبا من كلابه " . قال هبار : فكنت معهم ، فنزلنا بأرض كثيرة الأسد ، قال : فلقد رأيت الأسد جاء فجعل يشم رؤوس القوم واحدا واحدا ، حتى تخطى إلى عتبة فاقتطع رأسه من بينهم{[27610]} .

وذكر ابن إسحاق وغيره في السيرة : أن ذلك كان بأرض الزرقاء ، وقيل : بالسراة ، وأنه خاف ليلتئذ ، وأنهم جعلوه بينهم وناموا من حوله ، فجاء الأسد فجعل يزأر ، ثم تخطاهم إليه فضغم رأسه ، لعنه الله .


[27588]:- (5) صحيح مسلم برقم (176).
[27589]:- (6) زيادة من م.
[27590]:- (7) في م: "ابن عمرو عنه".
[27591]:- (8) انظر تفسير البغوي (7/403).
[27592]:- (9) في م: "منهال".
[27593]:- (1) سنن الترمذي برقم (3279).
[27594]:- (2) في م: "أعظم على الله الفرية".
[27595]:- (3) في م: "أجنادين".
[27596]:- (4) سنن الترمذي برقم (3278).
[27597]:- (5) النسائي في السنن الكبرى برقم (11539).
[27598]:- (6) صحيح مسلم برقم (178).
[27599]:- (7) في أ: "هل رأيت".
[27600]:- (8) تفسير الطبري (27/27).
[27601]:- (1) ورواه ابن المنذر كما في الدر المنثور (7/648) وهو مرسل.
[27602]:- (2) المسند (1/285).
[27603]:- (3) في هـ، أ: "الجماعات".
[27604]:- (4) في م: "إني أسألك فعل الخيرات".
[27605]:- (5) المسند (1/368).
[27606]:- (6) انظر تفسير الآية: 69 من سورة "ص".
[27607]:- (7) في أ: "سليم".
[27608]:- (1) في أ: "الجماعات".
[27609]:- (2) تفسير الطبري (27/28).
[27610]:- (3) مختصر تاريخ دمشق لابن منظور (27/63) ولم يقع لي في ترجمته فيما بين يدي من مخطوطات تاريخ دمشق.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ} (11)

وقوله : ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأَى يقول تعالى ذكره : ما كذّب فؤاد محمد محمدا الذي رأى ، ولكنه صدّقه .

واختلف أهل التأويل في الذي رآه فؤاده فلم يكذّبه ، فقال بعضهم : الذي رآه فؤاده ربّ العالمين ، وقالوا جعل بصره في فؤاده ، فرآه بفؤاده ، ولم يره بعينه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا سعيد بن يحيى ، قال : ثني عمي سعيد عبد الرحمن بن سعيد ، عن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السّبيعي ، عن سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأى قال : رآه بقلبه صلى الله عليه وسلم .

حدثنا خلاد بن أسلم ، قال : أخبرنا النضر بن شميل ، قال : أخبر عباد ، يعني ابن منصور ، قال : سألت عكرمة ، عن قوله : ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأَى قال : أتريد أن أقول لك قد رآه ، نعم قد رآه ، ثم قد رآه ، ثم قد رآه حتى ينقطع النفس .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عيسى بن عبيد ، قال : سمعت عكرِمة ، وسُئل هل رأى محمد ربه ، قال نعم ، قد رأى ربه .

قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا سالم مولى معاوية ، عن عكرمة ، مثله .

حدثنا أحمد بن عيسى التميمي ، قال : حدثنا سليمان بن عمرو بن سيار ، قال : ثني أبي ، عن سعيد بن زربي عن عمرو بن سليمان ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «رأَيْتُ رَبِي فِي أحْسَنَ صُورَةٍ » فَقالَ لِي : يا مُحَمّدُ هَلْ تَدْرِي فِيمَ يَخْتَصمُ المَلأُ الأَعْلَى ؟ فَقُلْتُ «لا يا رَبّ فَوَضَعَ يَدَهُ بَينَ كَتِفَيّ ، فَوَجَدْتُ بَرْدَها بَينَ ثَدْييّ فَعَلِمْت ما في السّماءِ والأرْضِ » فَقُلْتُ : «يا رَبّ فِي الدّرَجاَتِ والكَفّارَاتِ وَنَقْلِ الأقْدَام إلى الجُمُعاتِ ، وَانْتِظارِ الصّلاةِ بَعْد الصّلاةِ » ، فَقُلْتُ : «يا رَبّ إنّكَ اتّخَذْتَ إبْرَاهِيمِ خَلِيلاً ، وكَلّمْتَ مُوسَى تَكْلِيما ، وَفَعَلْتَ وَفَعَلْتَ ؟ » فَقال : ألمْ أشْرَحْ لَكَ صَدْرَكْ ؟ ألمْ أضَعْ عَنْكَ وِزْرَكَ ؟ ألمْ أفْعَلْ بِكَ ؟ ألْم أفْعَلْ . قال : «فأفْضَى إليّ بأشْياءَ لَمْ يُؤْذَنْ لي أنْ أُحَدّثْكُمُوها » قال : «فَذلكَ قَوْلُهُ فِي كِتابِهِ يُحُدّثْكُمُوهُ » : ثُمّ دَنا فَتَدلى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنى ، فأوْحَى إلى عَبْدِهِ ما أوْحَى . ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأَى ، «فَجَعَلَ نُورَ بَصَرِي فِي فُؤَادِي ، فَنَظَرْت إلَيْهِ بِفُؤَادِي » .

حدثني محمد بن عمارة وأحمد بن هشام ، قالا : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن السديّ ، عن أبي صالح ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأَى قال : رآه مرّتين بفؤاده .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن عطية ، عن قيس ، عن عاصم الأحول ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : إن الله اصطفى إبراهيم بالخُلّة ، واصطفى موسى بالكلام ، واصطفى محمدا بالرؤية صلوات الله عليهم .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن زياد بن الحصين ، عن أبي العالية عن ابن عباس ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأَى قال : رآه بفؤاده .

قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق عمن سمع ابن عباس يقول ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأَى قال : رأى محمد ربه .

قال : ثنا حكام ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ما كَذَبَ الفُؤَادُ فلم يكذّبه ما رأَى قال : رأى ربه .

قال : ثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأَى قال رأى محمد ربه بفؤاده .

وقال آخرون : بل الذي رآه فؤاده فلم يكذّبه جبريل عليه السلام . ذكر من قال ذلك :

حدثني ابن بزيع البغدادي ، قال : حدثنا إسحاق بن منصور ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن عبد الله ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأَى قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه حلتا رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض .

حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجانيّ ، قال : حدثنا عمرو بن عاصم ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عاصم عن رزّ ، عن عبد الله ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «رأيْتُ جِبْرِيلَ عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى ، لَهُ سِتّ مِئَةِ جَناح ، يَنْفُضُ مِنْ رِيشِهِ التّهاوِيلَ الدّرّ والياقُوتَ » .

حدثنا أبو هشام الرفاعي ، وإبراهيم بن يعقوب ، قالا : حدثنا زيد بن الحباب ، أن الحسين بن واقد ، حدثه قال : حدثني عاصم بن أبي النجود ، عن أبي وائل ، عن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «رأيْتُ جِبْرِيلَ عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى لَهُ سِتّ مِئَةِ جَناحٍ » زاد الرفاعيّ في حديثه ، فسألت عاصما عن الأجنحة ، فلم يخبرني ، فسألت أصحابي ، فقالوا : كلّ جناح ما بين المشرق والمغرب .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأَى قال : رأى جبريل في صورته التي هي صورته ، قال : وهو الذي رآه نزلة أُخرى .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : ما كَذَبَ الفُؤَادُ ما رأَى فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة ومكة والكوفة والبصرة كَذَبَ بالتخفيف ، غير عاصم الجحدري وأبي جعفر القارىء والحسن البصري فإنهم قرأوه «كذّب » بالتشديد ، بمعنى : أن الفؤاد لم يكذّب الذي رأى ، ولكنه جعله حقا وصدقا ، وقد يحتمل أن يكون معناه إذا قرىء كذلك : ما كذّب صاحب الفؤاد ما رأى . وقد بيّنا معنى من قرأ ذلك بالتخفيف .

والذي هو أولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه بالتخفيف لإجماع الحجة من القرّاء عليه ، والأخرى غير مدفوعة صحتها لصحة معناها .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ} (11)

{ ما كذب الفؤاد ما رأى } ما رأى ببصره من صورة جبريل عليه السلام أو الله تعالى ، أي ما كذب بصره بما حكاه له فإن الأمور القدسية تدرك أولا بالقلب ثم تنتقل منه إلى البصر ، أو ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك ولو قال ذلك كان كاذبا لأنه عرفه بقلبه كما رآه ببصره ، أو ما رآه بقلبه والمعنى أنه لم يكن تخيلا كاذبا . ويدل عليه " أنه صلى الله عليه وسلم سئل هل رأيت ربك ؟ فقال رأيته بفؤادي " . وقرأ هشام ما كذب أي صدقه ولم يشك فيه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ} (11)

وقوله تعالى : { ما كذب الفؤاد ما رأى } قرأ جمهور القراء بتخفيف الذال على معنى لم يكذب قلب محمد الشيء الذي رأى ، بل صدقه وتحققه نظراً ، و { كذب } يتعدى ، وقال أهل التأويل ومنهم ابن عباس وأبو صالح : رأى محمد الله تعالى بفؤاده . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «جعل الله نور بصري في فؤادي ، فنظرت إليه بفؤادي »{[10689]} .

وقال آخرون من المتأولين المعنى : ما رأى بعينه لم يكذب ذلك قلبه ، بل صدقه وتحققه ، ويحتمل أن يكون التقدير فيما رأى ، وقال ابن عباس فيما روي عنه وعكرمة وكعب الأحبار إن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعيني رأسه . بسط الزهراوي هذا الكلام عنهم وأبت ذلك عائشة ، وقالت : أنا سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآيات ، فقال لي : «هو جبريل فيها كلها »{[10690]} . وقال الحسن المعنى : ما رأى من مقدورات الله وملكوته . وسأل أبو ذر رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل رأيت ربك ؟ قال : «هو نور أنى أراه »{[10691]} ، وهذا قول الجمهور ، وحديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قاطع بكل تأويل في اللفظ ، لأن قول غيرها إنما هو منتزع من ألفاظ القرآن . وقرأ ابن عامر فيما روى عنه هشام : «ما كذّب » بشد الذال ، وهي قراءة أبي رجاء وأبي جعفر وقتادة والجحدري وخالد ، ومعناه بين على بعض ما قلناه ، وقال كعب الأحبار : إن الله تعالى قسم الكلام والرؤية بين موسى ومحمد ، فكلم موسى مرتين ، ورآه محمد مرتين ، وقالت عائشة رضي الله عنها : لقد وقف شعري من سماع هذا وتلت : { لا تدركه الأبصار ، وهو يدرك الأبصار }{[10692]} [ الأنعام : 103 ] . وذهبت هي وابن مسعود وقتادة وجمهور العلماء إلى أن المرئي هو جبريل عليه السلام في المرتين : في الأرض وعند سدرة المنتهى ليلة الإسراء ، وقد ذكرتها في سورة «سبحان » وهي مشهورة في الكتب الصحاح .

وقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر هذه السورة كلها بفتح أواخر آيها وأمال عاصم في رواية أبي بكر : «رأى » . وقرأ نافع وأبو عمرو بين الفتح . وأمال حمزة والكسائي جميع ما في السورة ، وأمال أبو عمرو فيما روى عنه عبيد : «الأعلى » و : «تدلى » .


[10689]:هذا جزء ورد في آخر حديث الخصومات من رواية لابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال عنها ابن كثير: فيها زيادة غريبة، وبعد أن نقل الحديث قال:وإسناده ضعيف، وحديث الخصومات أخرجه الإمام أحمد عن معاذ رضي الله عنه، وقال عنه الإمام ابن كثير:"وهو حديث المنام المشهور"، يعني أن الرؤيا التي وردت فيه كانت مناما، وكذلك أخرجه الترمذي من حديث جهضم بن عبد الله اليمامي، وقال الحسن: صحيح، وأخرجه عبد الرزاق عن ابن عباس أيضا وفي أوله:(أتاني ربي الليلة في أحسن صورة-أحسبه يعني في النوم-)، أما رواية ابن جرير التي فيها هذا الجزء الذي ذكره ابن عطية فهي كما في تفسير الطبري:(رأيت ربي في أحسن صورة، فقال لي: يا محمد، هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ فقلت: لا يا رب، فوضع يده بين كتفي، فوجدت بردها بين ثديي، فعلمت ما في السماوات والأرض، فقلت: يا رب في الدرجات والكفارات ونقل الأقدام إلى الجمعات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فقلت: يا رب إنك اتخذت إبراهيم خليلا، وكلمت موسى تكليما، وفعلت وفعلتَ، فقال: ألم أشرح لك صدرك؟ ألم أضع عنك وزرك؟ ألم افعل بك؟ ألم أفعل؟ قال: فأفضى إليّ بأشياء لم يؤذن لي أن أحدثكموها، قال: فذلك قوله في كتابه يحدثكموه:{ثم دنا فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، ما كذب الفؤاد ما رأى}، فجعل نور بصري في فؤادي فنظرت إليه بفؤادي).
[10690]:هذا جزء من حديث أخرجه البخاري في تفسير سورة النجم، ومسلم في الإيمان، وأحمد في مسنده(6-49)، والترمذي في تفسير سورة النجم، وهو عن مسروق، وزاد السيوطي في "الدر المنثور" نسبته إلى عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم، وابن مردويه عن الشعبي، ولفظه كما جاء في صحيح مسلم: قال: كنت متكئا عند عائشة، فقالت: يا أبا عائشة-وهذه كنية الإمام مسروق-ثلاث من تكلم بواحدة فيهن فقد أعظم على الله الفرية، قلت: ما هن؟ قالت: من زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم الفرية، قال: وكنت متكئا فجلست فقلت: يا أم المؤمنين أنظريني ولا تعجليني، ألم يقل الله عز وجل:{ولقد رآه بالأفق المبين}، {ولقد رآه نزلة أخرى}، فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنما هو جبريل، لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين، رأيته منهبطا من السماء سادا عِظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض، فقالت: أو لم تسمع أن الله يقول:{لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير}، أو لم تسمع أن الله يقول:{وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم}. قالت: ومن زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من كتاب الله فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول:{يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته}. قالت: ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول:{قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله}.
[10691]:أخرجه مسلم في الإيمان، والترمذي في التفسير، وأحمد في مسنده(5-157، 171، 175)ن عن عبد الله بن شقيق، ولفظه كما جاء في صحيح مسلم(عن ابي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ قال: نور أنى أراه؟)، قال شراح الحديث: المعنى: حِجابه نور فكيف أراه؟ وقال بعضهم: المعنى: إن النور منعني من الرؤية.
[10692]:راجع الهامش(1) من صفحة(93) فهو نفس الحديث. والآية من سورة (الأنعام). ورقمها(103).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ} (11)

الأظهر أن هذا ردّ لتكذيب من المشركين فيما بلغهم من الخبر عن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم الملَك جبريل وهو الذي يؤذن به قوله بعد : { أفتمارونه على ما يرى } .

واللام في قوله : { الفؤاد } عوض عن المضاف إليه ، أي فؤاده وعليه فيكون تفريع الاستفهام في قوله : { أفتمارونه على ما يرى } استفهاماً إنكارياً لأنهم مَارَوْه .

ويجوز أن يكون قوله : { ما كذب الفؤاد ما رأى } تأكيداً لمضمون قوله : { فكان قاب قوسين } [ النجم : 9 ] فإنه يؤذن بأنه بمرأى من النبي صلى الله عليه وسلم لرفع احتمال المجاز في تشبيه القرب ، أي هو قرب حسي وليس مجرد اتصال رُوحاني فيكون الاستفهام في قوله : { أفتمارونه على ما يرى } مستعملاً في الفرض والتقدير ، أي أفستكذبونه فيما يرى بعينيه كما كذبتموه فيما بلغكم عن الله ، كما يقول قائل : « أتحسبني غافلاً » وقول عمر بن الخطاب للعباس وعليّ في قضيتهما « أتحاولان مني قضاءً غير ذلك » .

وقرأ الجمهور { ما كذب } بتخفيف الذال ، وقرأه هشام عن ابن عامر وأبو جعفر بتشديد الذال ، والفاعل والمفعول على حالهما كما في قراءة الجمهور .

والفؤاد : العقل في كلام العرب قال تعالى : { وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً } [ القصص : 10 ] .

والكذب : أطلق على التخييل والتلبيس من الحواس كما يقال : كذبته عينه .

و { ما } موصولة ، والرابط محذوف ، وهو ضمير عائد إلى { عبده } في قوله : { فأوحى إلى عبده } [ النجم : 10 ] أي ما رآه عبده ببصره .