المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{كٓهيعٓصٓ} (1)

مقدمة السورة:

هذه السورة مكية ، وليس فيها مدني إلا آية 58 ، 71 ، وعدد آياتها 98 آية ، وقد ابتدأت بالحروف الصوتية ككثير من السور ، وفيها قصة ولادة يحيى بن زكريا عليهما السلام وطلب زكريا الولد بعد أن بلغ من الكبر عتيا مع أن امرأته عاقر ، ولقد ذكر من بعد ذلك قصة السيدة البتول مريم عليها السلام وولادتها للمسيح عليه السلام ثم ذكرت قصة إبراهيم عليه السلام ودعوته إلي الوحدانية ، وطلبه من أبيه أن يهجر عبادة الأوثان ، وما كان بينهما من مجاوبات حول الأوثان وسيطرة الشيطان .

وفيها إشارة إلي الأنبياء من ذرية إبراهيم : إسماعيل وإسحاق ، وذرية إسحاق ، ثم إشارة إلي قصة إدريس عليه السلام وذكر بعد ذلك سبحانه الأخلاف الذين جاءوا بعد النبيين من طائعين وعصاة ، وذكر أن الجنة هي جزاء المؤمنين ، والنار هي جزاء الكافرين ، وأحوال الكافرين في جهنم ، وأشار سبحانه إلي المنحرفين الذين يقولون : إن الله اخذ ولدا .

وقد بين سبحانه منزلة القرآن ، وأنذر الكافرين ، وضرب الأمثال علي هلاك العاصين للأنبياء ، وأشار إلي أنهم لا آثار لهم .

1- حروف صوتية لبيان أن القرآن المعجز من هذه الحروف ، ولتنبيههم فيسمعون .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{كٓهيعٓصٓ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وهي ثمان وتسعون آية .

قوله تعالى : { كهيعص } قرأ أبو عمرو بكسر الهاء وفتح الياء ، وضده ابن عامر ، وحمزة ، وبكسرهما : الكسائي و أبو بكر ، والباقون بفتحهما . ويظهر الدال عند الذال من صاد . ذكر ابن كثير ، و نافع ، و عاصم و يعقوب ، والباقون بالإدغام . قال ابن عباس رضي الله عنهما : هو اسم من أسماء الله تعالى . وقال قتادة : هو اسم من أسماء القرآن . وقيل : اسم للسورة . وقيل : هو قسم أقسم الله به . ويروى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله { كهيعص } قال : الكاف من كريم وكبير ، والهاء من هاد ، والياء من رحيم ، والعين من عليم ، وعظيم ، والصاد من صادق . وقال الكلبي : معناه : كاف لخلقه ، هاد لعباده ، يده فوق أيديهم ، عالم ببريته ، صادق في وعده .

   
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{كٓهيعٓصٓ} (1)

مقدمة السورة:

المجلد التاسع

تفسير سورة مريم

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ، وعلى آله وأصحابه وأتباعه ، ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين .

وبعد فهذا تفسير لسورة " مريم " أكتبه بعد أن كتبت قبله تفاسير لسورة : البقرة ، آل عمران ، النساء ، المائدة ، الأنعام ، الأعراف ، الأنفال ، التوبة ، يونس ، هود ، يوسف ، الرعد ، إبراهيم ، الحجر ، النحل ، الإسراء ، الكهف . . .

والله –تعالى- أسأل ، أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم ، ونافعاً لعباده ، وشفيعاً لنا يوم نلقاه ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

د . محمد سيد طنطاوي .

تفسير سورة مريم

تعريف بسورة مريم

1- سورة مريم من السور المكية .

قال القرطبي : وهي مكية بالإجماع . وهي تسعون وثماني آيات( {[1]} ) .

وقال ابن كثير : وقد روى محمد بن إسحاق في السيرة ، من حديث أم سلمة ، وأحمد بن حنبل عن ابن مسعود في قصة الهجرة إلى أرض الحبشة من مكة ، أن جعفر بن أبي طالب –رضي الله عنه- قرأ صدر هذه السورة على النجاشي( {[2]} ) .

وكان نزولها بعد سورة فاطر( {[3]} ) .

2- ويبدو أن تسميتها بهذا الاسم كان بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد أخرج الطبراني والديلمي ، من طريق أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني عن أبيه عن جده ، قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : ولدت لي الليلة جارية . فقال : والليلة أنزلت على سورة مريم .

وجاء فيما روي عن ابن عباس ، تسميتها بسورة " كهيعص " ( {[4]} ) .

وقد تكرر اسم مريم في القرآن ثلاثين مرة ، ولم تذكر امرأة سواها باسمها الصريح .

3- والذي يقرأ هذه السورة الكريمة بتدبر وتأمل ، يراها زاخرة بالحديث عن عدد من الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام- .

فقد افتتحت بالحديث عن تلك الدعوات التي تضرع بها زكريا إلى ربه ، لكي يهب له وليا ، يرثه ويرث من آل يعقوب .

وقد استجاب الله –تعالى- دعاء زكريا ، فوهبه يحيى كما قال –تعالى- : [ يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا ] .

ثم تحدثت السورة بعد ذلك عن قصة مريم ، بصورة فيها شيء من التفصيل ، فذكرت اعتزالها لقومها ومجيء جبريل إليها وما دار بينه وبينها من محاورات ، ومولدها لعيسى وإتيانها به قومها ، وما دار بينها وبينهم في شأنه . ثم ختمت هذه القصة بالقول الحق في شأن عيسى ، قال –تعالى- : [ ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون . ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه ، إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون ، وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ] .

5- ثم تحدثت السورة بعد ذلك عن طرف من قصة إبراهيم وموسى وإسماعيل وإدريس ، وختمت حديثها عن الرسل الكرام بقوله –تعالى- : [ أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم ، وممن حملنا مع نوح . ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل . وممن هدينا واجتبينا ، إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكيا ] .

6- ثم حكت السورة الكريمة أنماطاً من الشبهات التي تفوه بها الضالون ، ومن هذه الشبهات ما يتعلق بالبعث والنشور ، ومنها ما يتعلق بموقفهم من القرآن الكريم ومنها ما يتعلق بزعمهم أن الله ولداً . . . وقد ردت على كل شبهة من هذه الشبهات بما يبطلها ، ويخرس ألسنة قائليها .

ومن ذلك قوله –تعالى- : [ ويقول الإنسان أئذا مامت لسوف أخرج حيا* أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئاً ] .

وقوله –سبحانه- : [ أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالاً وولداً . أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا . كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا . ونرثه ما يقول ويأتينا فرداً ] .

وقوله –عز وجل- : [ وقالوا اتخذ الرحمن ولدا . لقد جئتم شيئاً إدا . تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا . أن دعوا للرحمن ولدا . وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ] .

7- ومن هذا العرض الإجمالي لآيات السورة الكريمة ، يتبين لنا أن سورة مريم قد اهتمت بإقامة الأدلة على وحدانية الله –تعالى- ، وعلى نفي الشريك والولد عن ذاته –سبحانه- ، كما اهتمت –أيضاً- ، وعلى نفي الشريك والولد عن ذاته –سبحانه- ، كما اهتمت –أيضاً- بإقامة الأدلة على أن البعث حق ، وعلى أن الناس سيحاسبون على أعمالهم يوم القيامة .

كما زخرت السورة بالحديث عن قصص بعض الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام- تارة بشيء من التفصيل كما في قصة زكريا وعيسى ابن مريم ، وتارة بشيء من الاختصار والتركيز كما في قصة إبراهيم وموسى وإسماعيل وإدريس .

كما نراها بوضوح تحكي شبهات المشركين . ثم ترد عليها بما يبطلها . . .

وقد ساقت السورة ما ساقت من قضايا ، بأسلوب عاطفي بديع ، يهيج المشاعر نحو الخير والحق والفضيلة ، وينفر من الشر والباطل والرذيلة ، ويطلع العقول على نماذج شتى من مظاهر رحمة الله –تعالى- بعباده الصالحين ترى ذلك في مثل قوله –تعالى- : [ ذكر رحمة ربك عبده زكريا ] .

وفي مثل قوله –سبحانه- : [ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ] .

8- قال بعض العلماء ما ملخصه : والظل الغالب في جو السورة هو ظل الرحمة والرضا والاتصال . فهي تبدأ بذكر رحمة ربك لعبده زكريا . ويتكرر لفظ الرحمة ومعناها وظلها في ثنايا السورة كثيراً . ويكثر فيها اسم [ الرحمن ] .

وإنك لتحس لمسات الرحمة الندية . ودبيبها اللطيف في الكلمات والعبارات والظلال ، كما تحس انتفاضات الكون وارتجافاته لوقع كلمة الشرك التي لا تطيقها فطرته . . .

كذلك تحس أن للسورة إيقاعاً موسيقياً خاصاً ، فحتى جرس ألفاظها وفواصلها فيه رخاء ، وفيه عمق كألفاظ : رضيا ، سريا ، حفياً ، نجياً . . .

فأما المواضع التي تقتضي الشدة والعنف ، فتجيء فيها الفاصلة مشددة في الغالب ، كألفاظ : ضدّاً ، هدّاً ، إدّاً ، أزّاً( {[5]} ) .

وبعد ؛ فهذا تعريف لسورة مريم ، نرجو أن يكون القارئ له ، قد أخذ صورة مركزة عن أهم المقاصد التي اشتملت عليها السورة الكريمة .

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

سورة ( مريم ) من السور القرآنية التى افتتحت ببعض حروف التهجى .

وقد سبق أن تكلمنا بشىء من التفصيل ، عن آراء العلماء فى المراد بهذه الحروف التى افتتحت بها بعض السور ، وذلك عند تفسيرنا لسور : البقرة ، وآل عمران ، والأعراف ، ويونس . . .

ورجحنا أن هذه الحروف المقطعة ، قد وردت فى افتتاح بعض سور القرآن ، على سبيل الإيقاظ والتنبيه للذين تحداهم القرآن .

فكأن الله - تعالى - يقول لأولئك المعارضين فى أن القرآن من عند الله - تعالى - ، هاكم القرآن ترونه مؤلفا من كلامهو من جنس ما تؤلفون به كلامكم ، ومنظوماً من حروف هى من جنس الحروف الهجائية التى تنظمون منها حروفكم ، فإن كنتم فى شك من كونه منزلاً من عند الله فهاتوا مثله . أو عشر سور من مثله ، بل بسورة واحدة من مثله ، وادعوا من شئتم من الخلق لكى يعاونكم فى ذلك . . .

فلما عجزوا - وهم أهل الفصاحة والبيان - ثبت أن غيرهم أعجز ، وأن هذا القرآن من عند الله { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيراً }


[1]:- سورة إبراهيم: الآية 1.
[2]:- سورة الإسراء. الآية 9.
[3]:- سورة المائدة: الآيتان 15، 16.
[4]:- سورة الجن: الآيتان 1، 2.
[5]:- سورة البقرة: الآيتان 23، 24.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{كٓهيعٓصٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة مريم مكية وآياتها ثمان وتسعون

يدور سياق هذه السورة على محور التوحيد ؛ ونفي الولد والشريك ؛ ويلم بقضية البعث القائمة على قضية التوحيد . . هذا هو الموضوع الأساسي الذي تعالجه السورة ، كالشأن في السور المكية غالبا .

والقصص هو مادة هذه السورة . فهي تبدأ بقصة زكريا ويحيى . فقصة مريم ومولد عيسى . فطرف من قصة إبراهيم مع أبيه . . ثم تعقبها إشارات إلى النبيين : إسحاق ويعقوب ، وموسى وهرون ، وإسماعيل ، وإدريس . وآدم ونوح . ويستغرق هذا القصص حوالي ثلثي السورة . ويستهدف إثبات الوحدانية والبعث ، ونفي الولد والشريك ، وبيان منهج المهتدين ومنهج الضالين من أتباع النبيين .

ومن ثم بعض مشاهد القيامة ، وبعض الجدل مع المنكرين للبعث .

واستنكار للشرك ودعوى الولد ؛ وعرض لمصارع المشركين والمكذبين في الدنيا وفي الآخرة . . وكله يتناسق مع اتجاه القصص في السورة ويتجمع حول محورها الأصيل .

وللسورة كلها جو خاص يظللها ويشيع فيها ، ويتمشى في موضوعاتها . .

إن سياق هذه السورة معرض للانفعالات والمشاعر القوية . . الانفعالات في النفس البشرية ، وفي " نفس " الكون من حولها . فهذا الكون الذي نتصوره جمادا لا حس له يعرض في السياق ذا نفس وحس ومشاعر وانفعالات ، تشارك في رسم الجو العام للسورة . حيث نرى السماوات والأرض والجبال تغضب وتنفعل حتى لتكاد تنفطر وتنشق وتنهد استنكارا :

( أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ) . .

أما الانفعالات في النفس البشرية فتبدأ مع مفتتح السورة وتنتهي مع ختامها . والقصص الرئيسي فيها حافل بهذه الانفعالات في مواقفه العنيفة العميقة . وبخاصة في قصة مريم وميلاد عيسى .

والظل الغالب في الجو هو ظل الرحمة والرضى والاتصال . فهي تبدأ بذكر رحمة الله لعبده زكريا( ذكر رحمة ربك عبده زكريا )وهو يناجي ربه نجاء : ( إذ نادى ربه نداء خفيا ) . . ويتكرر لفظ الرحمة ومعناها وظلها في ثنايا السورة كثيرا . ويكثر فيها اسم( الرحمن ) . ويصور النعيم الذي يلقاه المؤمنون به في صورة ود : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا )ويذكر من نعمة الله على يحيى أن آتاه الله حنانا( وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا ) . ومن نعمة الله على عيسى أن جعله برا بوالدته وديعا لطيفا :

( وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا ) . .

وإنك لتحس لمسات الرحمة الندية ودبيبها اللطيف في الكلمات والعبارات والظلال . كما تحس انتفاضات الكون وارتجافاته لوقع كلمة الشرك التي لا تطيقها فطرته . . كذلك تحس أن للسورة إيقاعا موسيقيا خاصا . فحتى جرس ألفاظها وفواصلها فيه رخاء وفيه عمق : رضيا . سريا . حفيا . نجيا . . فأما المواضع التي تقتضي الشد والعنف ، فتجيء فيها الفاصلة مشددة دالا في الغالب . مدا . ضدا . إدا . هدا ، أو زايا : عزا . أزا .

وتنوع الإيقاع الموسيقى والفاصلة والقافية بتنوع الجو والموضوع يبدو جليا في هذه السورة . فهي تبدأ بقصة زكريا ويحيى فتسير الفاصلة والقافية هكذا :

( ذكر رحمة ربك عبده زكريا . إذ نادى ربه نداء خفيا . . . ) الخ .

وتليها قصة مريم وعيسى فتسير الفاصلة والقافية على النظام نفسه :

( واذكر في الكتاب مريم إذا انتبذت من أهلها مكانا شرقيا . فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا . . ) الخ

إلى أن ينتهي القصص ، ويجيء التعقيب ، لتقرير حقيقة عيسى ابن مريم ، وللفصل في قضية بنوته . فيختلف نظام الفواصل والقوافي . . تطول الفاصلة ، وتنتهي القافية بحرف الميم أو النون المستقر الساكن عند الوقف لا بالياء الممدودة الرخية . على النحو التالي :

ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون . ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضي أمرا فإنما يقول له : كن فيكون . . . الخ .

حتى إذا انتهى التقرير والفصل وعاد السياق إلى القصص عادت القافية الرخية المديدة :

واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا . إذ قال لأبيه : يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا . . الخ .

حتى إذا جاء ذكر المكذبين وما ينتظرهم من عذاب وانتقام ، تغير الإيقاع الموسيقي وجرس القافية :

( قل : من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا . حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب ؛ وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا . . ) الخ .

وفي موضع الاستنكار يشتد الجرس والنغم بتشديد الدال :

( وقالوا : اتخذ الرحمن ولدا . لقد جئتم شيئا إدا ، تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتحز الجبال هذا . . ) الخ .

وهكذا يسير الإيقاع الموسيقي في السورة وفق المعنى والجو ؛ ويشارك في إبقاء الظل الذي يتناسق مع المعنى في ثنايا السورة ، وفق انتقالات السياق من جو إلى جو ومن معنى إلى معنى .

ويسير السياق مع موضوعات السورة في أشواط ثلاثة :

الشوط الأول يتضمن قصة زكريا ويحيى ، وقصة مريم وعيسى . والتعقيب على هذه القصة بالفصل في قضية عيسى التي كثر فيها الجدل ، واختلفت فيها أحزاب اليهود والنصارى .

والشوط الثاني يتضمن حلقة من قصة إبراهيم مع أبيه وقومه واعتزاله لملة الشرك وما عوضه الله من ذرية نسلت بعد ذلك الأمة . ثم إشارات إلى قصص النبيين ، ومن اهتدى بهم ومن خلفهم من الغواة ؛ ومصير هؤلاء وهؤلاء . وينتهي بإعلان الربوبية الواحدة ، التي تعبد بلا شريك : ( رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته . هل تعلم له سميا )

والشوط الثالث والأخير يبدأ بالجدل حول قضية البعث ، ويستعرض بعض مشاهد القيامة . ويعرض صورة من استنكار الكون كله لدعوى الشرك ، وينتهي بمشهد مؤثر عميق من مصارع القرون ! ( وكم أهلكنا قبلهم من قرن . هل تحسن منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ) فنأخذ في الدرس الأول :

كاف . ها . يا . عين . صاد . .

هذه الأحرف المتقطعة التي تبدأ بها بعض السور ، والتي اخترنا في تفسيرها أنها نماذج من الحروف التي يتألف منها هذا القرآن ، فيجيء نسقا جديدا لا يستطيعه البشر مع أنهم يملكون الحروف ويعرفون الكلمات ، ولكنهم يعجزون أن يصوغوا منها مثل ما تصوغه القدرة المبدعة لهذا القرآن .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{كٓهيعٓصٓ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة مريم [ عليها السلام ]{[1]}

وهي مكية .

وقد روى محمد بن إسحاق في السيرة من حديث أم سلمة ، وأحمد بن حنبل عن ابن مسعود في قصة الهجرة إلى أرض الحبشة من مكة : أن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، قرأ صدر هذه السورة على النجاشي وأصحابه{[2]} .

بسم الله الرحمن الرحيم

أما الكلام على الحروف المقطعة فقد تقدم في أول سورة البقرة .


[1]:زيادة من أ.
[2]:ورواه ابن مردويه وأبو الشيخ كما في الدر (3/270).