قوله تعالى : { أجعل الآلهة إلهاً واحداً } وذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أسلم ، فشق ذلك على قريش ، وفرح به المؤمنون : فقال الوليد بن المغيرة للملأ من قريش ، وهم الصناديد والأشراف ، وكانوا خمسة وعشرين رجلاً أكبرهم سناً الوليد بن المغيرة ، قال لهم : امشوا إلى أبي طالب ، فأتوا أبا طالب ، وقالوا له : أنت شيخنا وكبيرنا وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء ، وإنا قد أتيناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك ، فأرسل أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعاه ، فقال : يا ابن أخي هؤلاء قومك يسألونك السواء ، فلا تمل كل الميل على قومك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وماذا يسألونني ؟ قالوا : ارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أتعطوني كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم ؟ فقال أبو جهل : لله أبوك لنعطينكها وعشرا أمثالها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قولوا لا إله إلا الله ، فنفروا من ذلك وقاموا ، وقالوا : أجعل الآلهة إلهاً واحداً ؟ كيف يسع الخلق كلهم إله واحد ؟ { إن هذا لشيء عجاب } أي : عجب ، والعجب والعجاب واحد ، كقولهم : رجل كريم وكرام ، وكبير وكبار ، وطويل وطوال ، وعريض وعراض .
ثم أضافوا إلى هذا القول الباطل ، أقوالا أخرى لا تقل عن غيرها فى البطلان والفساد .
فقالوا - كما حكى القرآن - : { أَجَعَلَ الآلهة إلها وَاحِداً } . : والاستفهام للإِنكار : أى : أجعل محمد صلى الله عليه وسلم الآلهة المتعددة ، إلها واحدا . وطلب منا أن ندين له بالعبادة والطاعة ؟
{ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } أى : إن هذا الذى طلبه منا ، ودعانا إليه ، لشئ قد بلغ النهاية فى العجب والغرابة ومجاوزة ما يقبله العقل .
و { عُجَابٌ } أبلغ من عجيب . لأنك تقول فى الرجل الذى فيه طول : هذا رجل طويل ، بينما تقول فى الرجل الذى تجاوز الحد المعقول فى الطول : هذا رجل طوال .
فلفظ { عُجَابٌ } صيغة المبالغة سماعية ، وقد حكاها - سبحانه - عنهم للإِشعار بأنهم كانوا يرون - لجهلهم وعنادهم - أن ما جاءهم به الرسول - ؛ - هو شئ قد تجاوز الحد فى العجب والغرابة .
واسم الإِشارة يعود إلى جعله صلى الله عليه وسلم الآلهة إلها واحدا ، لأنهم يرون - لانطماس بصائرهم - أن ذلك مخالف مخالفة تامة لما ورثوه ، عن آبائهم وأجدادهم من عبادة للأصنام .
وما كان مخالفا لما ورثوه عن آبائهم فهو - فى زعمهم - متجاوز الحد فى العجب .
وعجبوا كذلك من دعوته إياهم إلى عبادة الله الواحد . وهي أصدق كلمة وأحقها بالاستماع :
( أجعل الآلهة إلهاً واحداً ? إن هذا لشيء عجاب . وانطلق الملأ منهم : أن امشوا واصبروا على آلهتكم ، إن هذا لشيء يراد . ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق ) . .
ويصور التعبير القرآني مدى دهشتهم من هذه الحقيقة الفطرية القريبة . . ( أجعل الآلهة إلهاً واحداً ? )كأنه الأمر الذي لا يتصوره متصور ! ( إن هذا لشيء عجاب ) . . حتى البناء اللفظي( عجاب )يوحي بشدة العجب وضخامته وتضخيمه !
وقوله : ( أجَعَلَ الاَلِهَةَ إِلها وَاحِدا ) : يقول : وقال هؤلاء الكافرون الذين قالوا : محمد ساحر كذّاب : أجعل محمد المعبودات كلها واحدا ، يسمع دعاءنا جميعنا ، ويعلم عبادة كل عابد عبدَه منا إنّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجابٌ : أي إن هذا لشيء عجيب ، كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( أجَعَلَ الاَلِهَةَ إلَها وَاحِدا إنّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجابٌ ) قال : عجب المشركون أن دُعوا إلى الله وحده ، وقالوا : يسمع لحاجاتنا جميعا إله واحد ما سمعنا بهذا في الملة الاَخرة .
وكان سبب قيل هؤلاء المشركين ما أخبر الله عنهم أنهم قالوه ، من ذلك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم : «أسْأَلُكُمْ أنْ تُجِيبُونِي إلى وَاحِدَةٍ تَدِينُ لَكُمْ بِها العَرَبُ ، وَتُعْطِيكُمْ بِها الخَرَاجَ العَجَمُ » فقالوا : وما هي ؟ فقال : «تقولون لا إلَهَ إلاّ اللّهُ » ، فعند ذلك قالوا : ( أجَعَلَ الاَلَهَةَ إلَها وَاحِدا ) تعجبا منهم من ذلك . ذكر الرواية بذلك :
حدثنا أبو كُرَيب وابن وكيع ، قالا : حدثنا أبو أُسامة ، قال : حدثنا الأعمش ، قال : حدثنا عباد ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، قال : لما مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهل بن هشام فقالوا : إن ابن أخيك يشتم آلهتنا ، ويفعل ويفعل ، ويقول ويقول ، فلو بعثت إليه فنهيته فبعث إليه ، فجاء النبيّ صلى الله عليه وسلم فدخل البيت ، وبينهم وبين أبي طالب قدر مجلس رجل ، قال : فخشي أبو جهل إن جلس إلى جنب أبي طالب أن يكون أرق له عليه ، فوثب فجلس في ذلك المجلس ، ولم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا قرب عمه ، فجلس عند الباب ، فقال له أبو طالب : أي ابن أخي ، ما بال قومك يشكونك ؟ يزعمون أنك تشتم آلهتهم ، وتقول وتقول قال : فأكثروا عليه القول ، وتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «يا عَمّ إنّي أُرِيدُهُمْ عَلى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يَقُولُونَهَا ، تَدِينُ لَهُمْ بِها العَرَبُ ، وَتُؤَدّي إلَيْهِمْ بِها العَجَمُ الجِزْيَةَ » ، ففزعوا لكلمته ولقوله ، فقال القوم : كلمة واحدة ؟ نعم وأبيك عَشْرا فقالوا : وما هي ؟ فقال أبو طالب : وأيّ كلمة هي يا ابن أخي ؟ قال : «لا إلَهَ إلاّ اللّهُ » قال : فقاموا فِزعين ينفضون ثيابهم ، وهم يقولون : ( أجَعَلَ الاَلِهَةَ إلَها وَاحِدا إنّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجابٌ ) ، قال : ونزلت من هذا الموضع إلى قوله : لمّا يَذُوقُوا عَذَابِ اللفظ لأبي كريب .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا معاوية بن هشام ، عن سفيان ، عن يحيى بن عمارة ، عن سعيد بن جُبَير عن ابن عباس ، قال : مرض أبو طالب ، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده ، وهم حوله جلوس ، وعند رأسه مكان فارغ ، فقام أبو جهل فجلس فيه ، فقال أبو طالب : يا ابن أخي ما لقومك يشكونك ؟ قال : «يا عَمّ أُرِيدُهُمْ عَلى كَلِمَةٍ تَدِينُ لَهُمْ بِها العَرَبُ ، وتُؤَدّي إلَيْهِمْ بِها العَجَمُ الجِزْيَةَ » قال : ما هي ؟ قال : «لا إلَهَ إلاّ اللّهُ » فقاموا وهم يقولون : ما سَمِعْنا بِهذَا في المِلّةِ الاَخرةِ إنْ هَذَا إلاّ اخْتِلاقٌ ونزل القرآن : ص والقُرآنِ ذِي الذّكْرِ ذي الشرف بَلِ الّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزّةٍ وَشِقاقٍ حتى قوله : أجَعَلَ الاَلِهَةَ إلَها وَاحِدا .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن يحيى بن عمارة ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، قال : مرض أبو طالب ، ثم ذكر نحوه ، إلا أنه لم يقل ذي الشرف ، وقال : إلى قوله : إنّ هَذَا لَشْيءٌ عُجابٌ .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن يحيى بن عمارة ، عن سعيد بن جُبَير ، قال : مرض أبو طالب ، قال : فجاء النبيّ صلى الله عليه وسلم يعوده ، فكان عند رأسه مقعدُ رجل ، فقام أبو جهل ، فجلس فيه ، فشكَوا النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى أبي طالب ، وقالوا : إنه يقع في آلهتنا ، فقال : يا ابن أخي ما تريد إلى هذا ؟ قال : «يا عمّ إنّي أُريدُهُمْ على كَلِمَةٍ تَدِينُ لَهُمْ بِها العَرَبُ ، وتُؤَدّي إلَيْهِمُ العَجَمُ الجِزْيَةَ » قال : وما هي ؟ قال : «لا إلَهَ إلاّ اللّهُ » ، فقالوا : أجَعَلَ الاَلِهَةَ إلَها وَاحِدا إنّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجابٌ .
{ أجعل الآلهة إلها واحدا } بأن جعل الألوهية التي كانت لهم لواحد . { إن هذا لشيء عجاب } بليغ في العجب فإنه خلاف ما أطبق عليه آباؤنا ، وما نشاهده من أن الواحد لا يفي علمه وقدرته بالأشياء الكثيرة ، وقرئ مشددا وهو أبلغ ككرام وكرام . وروي أنه لما أسلم عمر رضي الله عنه شق ذلك على قريش ، فأتوا أبا طالب وقالوا أنت شيخنا وكبيرنا ، وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء وإنا جئناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك ، فاستحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : هؤلاء قومك يسألونك السواء فلا تمل كل الميل عليهم ، فقال عليه الصلاة والسلام : ماذا يسألونني ، فقالوا ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك ، فقال : " أرأيتم إن أعطيتكم ما سألتم أمعطي أنتم كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم " ، فقالوا : نعم وعشرا ، فقال : " قولوا لا إله إلا الله " ، فقاموا وقالوا ذلك .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"أجَعَلَ الاَلِهَةَ إِلها وَاحِدا": يقول: وقال هؤلاء الكافرون الذين قالوا: محمد ساحر كذّاب: أجعل محمد المعبودات كلها واحدا، يسمع دعاءنا جميعنا، ويعلم عبادة كل عابد عبدَه منا، "إنّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجابٌ": أي إن هذا لشيء عجيب...
وكان سبب قيل هؤلاء المشركين ما أخبر الله عنهم أنهم قالوه، من ذلك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: «أسْأَلُكُمْ أنْ تُجِيبُونِي إلى وَاحِدَةٍ تَدِينُ لَكُمْ بِها العَرَبُ، وَتُعْطِيكُمْ بِها الخَرَاجَ العَجَمُ» فقالوا: وما هي؟ فقال: «تقولون لا إلَهَ إلاّ اللّهُ»، فعند ذلك قالوا: (أجَعَلَ الاَلَهَةَ إلَها وَاحِدا) تعجبا منهم من ذلك.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
هذا القول من الرؤساء والمتبوعين منهم، إغراء عليه لما عرفوا.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
لم تباشر خلاصةُ التوحيد قلوبَهم، وبعدوا عن ذلك تجوزاً، فضلاً عن أن يكون إثباتاً وحُكْماً، فلا عَرَفُوا الإلهَ ولا معنى الإلهية؛ فإنَّ الإلهيةَ هي القدرة على الاختراع، وتقديرُ قادِرَيْنِ على الاختراع غيرُ صحيح لِما يجب من وجود التمانع بينهما وجوازه، ثم إنَّ ذلك يمنع من كمالهما، ولو لم يكونا كامِلي الوصفِ لم يكونا إِلَهْين، وكلُّ أمرٍ جرى ثبوتُ سقوطِ فهو مطروحٌ باطل...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{أَجَعَلَ الآلهة إلها واحدا إِنَّ هذا لشيء عُجَابٌ} أي:بليغ في العجب، وقرئ: «عجّاب» بالتشديد، وهو أبلغ من المخفف.
{أَجَعَلَ الالهة إلها واحدا}... الجعل التصيير في القول على سبيل الدعوى والزعم، كأنه قال: أجعل الجماعة واحداً في قوله، لأنّ ذلك في الفعل محال...
ثم إنه تعالى حكى جميع ما عولوا عليه في إثبات كونه كاذبا وهي ثلاثة أشياء:
أما الشبهة المتعلقة بالإلهيات فهي قولهم: {أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب}... وأقول منشأ التعجب من وجهين:
الأول: هو أن القوم ما كانوا من أصحاب النظر والاستدلال بل كانت أوهامهم تابعة للمحسوسات؛ فلما وجدوا في الشاهد أن الفاعل الواحد لا تفي قدرته وعمله بحفظ الخلق العظيم؛ قاسوا الغائب على الشاهد، فقالوا: لا بد في حفظ هذا العالم الكثير من آلهة كثيرة يتكفل كل واحد منهم بحفظ نوع آخر.
الوجه الثاني: أن أسلافهم لكثرتهم وقوة عقولهم كانوا مطبقين على الشرك، فقالوا من العجب العجيب أن يكون أولئك الأقوام على كثرتهم وقوة عقولهم كانوا جاهلين مبطلين، وهذا الإنسان الواحد يكون محقا صادقا.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما ذكر قولهم الناشئ عن عجبهم، ذكر سببه ليعلم أن حالهم هو الذي يعجب منه لا حال من أنذرهم بقوله حاكياً قولهم إنكاراً لمضمون ما دخل عليه:
{أجعل} أي صير بسبب ما يزعم أنه يوحى إليه.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
جملة {أجعل الآلهة إلها واحدا} بيان لجملة {هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ}، أي حيث عدوه مباهتاً لهم بقلب الحقائق والأخبار بخلاف الواقع... والهمزة للاستفهام الإِنكاري التعجيبي ولذلك أتبعوه بما هو كالعلة لقولهم: {ساحر} وهو {إنَّ هذا لشيء عجاب} أي يتعجب منه كما يتعجب من شعوذة الساحر.
ثم يقولون: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} إنهم يتعجَّبون وينكرون أنْ يدعوَهم رسولُ الله إلى التوحيد، وإلى عبادة الله وحده لا شريك له، وقد كانوا يعبدون آلهة عِدَّة، فحول البيت أصنام كثيرة، ومنهم مَنْ كان يعبد الشمسَ أو القمر أو الكواكب والنجوم، ومنهم مَنْ عبد الملائكة.. إلخ.
لكن من أين أتتهم هذه الشبهة؟ جاءتْ هذه الشبهة من استعظامهم الوجود، فهذا الكون البديع المحكم فيه أرض بها أنهار وجبال وزروع وثمار، وفيه سماء فيها شمس وقمر ونجوم وكواكب وأفلاك.. إلخ. فهذا الكون في نظرهم لا يقدر على خَلْقه واحد بمفرده، لا بد أن كثيرين اشتركوا في خَلْقه.
إذن: فعظمة الوجود هي التي جعلتهم يقولون بآلهة متعددة، وهنا لا بُدَّ أن نقولَ سبحان الله، فالعكس هو الصحيح في هذه المسألة، فعظمة الخَلْق دليل على أن الخالق واحد، ولو كان الخالق متعدداً لما جاء الخَلْق على هذا النظام والتناسق، ولو كان الخالق متعدداً لكان الحال كما وصفه الحق سبحانه: {إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ..} [المؤمنون: 91].
فقولهم: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً} خطأ من ناحيتين: الأولى ظنُّهم أن عظمة الصنعة دليلٌ على تعدُّد الصانع، في حين أن عظمة الصنعة دليل على أن الصانع واحد، الأخرى: أنكم قُلْتم بتعدد الآلهة، والإله يعني المعبود المطاع في أوامره ونواهيه فقولوا لنا: بماذا أمرتكُم هذه الآلهة، وعَمَّ نهتكم؟ بل ماذا أعدَّتْ لمن أطاعها من الجزاء، وماذا أعدَّتْ لمن عصاها؟
إذن: قولكم آلهة كذب وهراء تقولونه بألسنتكم ما أنزل الله به من سلطان، ولو عرفتم معنى الآلهة ومعنى العبادة وأن المعبود لا بُدَّ أن يكون له منهج يسير عليه العباد، لو عرفتُم هذا لما قُلْتم بتعدُّد الآلهة.
لذلك الحق سبحانه يضرب لهم مثلاً، فيقول: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً..} [الزمر: 29].
يعني: هل يستوي في العبودية عند مملوك لسيد واحد وعبد مملوك لعدة أسياد، وليتهم متفقون إنما متشاكسون مختلفون فيما بينهم، كذلك لا يستوي مَنْ عبد الله وحده ومَنْ عبد آلهة متعددة.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
الغرور والتكبّر إضافة إلى فساد المجتمع، تساهم جميعاً في تغيّر بصيرة الإنسان، وجعله متعجّباً من بعض الاُمور الواقعية والواضحة، في حين يصرّ بشدّة على التمسّك ببعض الخرافات والأوهام الواهية...
فالسفهاء من قريش كانوا يعتقدون أنّه كلّما ازدادت عدد آلهتهم ازداد نفوذهم وقدرتهم، ولهذا السبب فإنّ وجود إله واحد يعدّ قليلا من وجهة نظرهم، في حين كما هو معلوم أنّ الأشياء المتعدّدة من وجهة النظر الفلسفية تكون دائماً محدودة، والوجود اللامحدود واحد لا أكثر، ولهذا السبب فإنّ كلّ الدراسات في معرفة الله تنتهي إلى توحيده...