قوله تعالى : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } . نزلت في اليهود والنصارى حيث قالوا ( نحن أبناء الله وأحباؤه ) .
وقال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قريش وهم في المسجد الحرام وقد نصبوا أصنامهم ، وعلقوا عليها بيض النعام ، وجعلوا في آذانها الشنوف وهم يسجدون لها فقال : يا معشر قريش والله لقد خالفتم ملة أبيكم إبراهيم وإسماعيل ، فقالت له قريش إنما نعبدها حباً لله ليقربونا إلى الله زلفى ، فقال الله تعالى : قل يا محمد إن كنتم تحبون الله ، وتعبدون الأصنام ليقربوكم إليه ، فاتبعوني يحببكم الله ، فأنا رسوله إليكم ، وحجته عليكم ، اتبعوا شريعتي وسنتي يحببكم الله ، فحب المؤمنين لله إتباعهم أمره ، وإيثار طاعته ، وابتغاء مرضاته ، وحب الله للمؤمنين ثناؤه عليهم ، وثوابه لهم ، وعفوه عنهم فذلك .
قوله تعالى : { ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم } . قال لما نزلت هذه الآية قال عبد الله بن أبي لأصحابه : إن محمداً يجعل طاعته كطاعة الله ، ويأمرنا أن نحبه كما أحب النصارى عيسى بن مريم ، فنزل : { قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين } .
{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }
وهذه الآية فيها وجوب محبة الله ، وعلاماتها ، ونتيجتها ، وثمراتها ، فقال { قل إن كنتم تحبون الله } أي : ادعيتم هذه المرتبة العالية ، والرتبة التي ليس فوقها رتبة فلا يكفي فيها مجرد الدعوى ، بل لابد من الصدق فيها ، وعلامة الصدق اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله ، في أقواله وأفعاله ، في أصول الدين وفروعه ، في الظاهر والباطن ، فمن اتبع الرسول دل على صدق دعواه محبة الله تعالى ، وأحبه الله وغفر له ذنبه ، ورحمه وسدده في جميع حركاته وسكناته ، ومن لم يتبع الرسول فليس محبا لله تعالى ، لأن محبته لله توجب له اتباع رسوله ، فما لم يوجد ذلك دل على عدمها وأنه كاذب إن ادعاها ، مع أنها على تقدير وجودها غير نافعة بدون شرطها ، وبهذه الآية يوزن جميع الخلق ، فعلى حسب حظهم من اتباع الرسول يكون إيمانهم وحبهم لله ، وما نقص من ذلك نقص .
ثم أمر الله - تعالى - رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرشد الناس إلى الطريق الذى متى سلكوه كانوا حقا محبين لله ، وكانوا ممن يحبهم - سبحانه - فقال تعالى : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتبعوني يُحْبِبْكُمُ الله وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } .
قال بعضهم : عن الحسن البصرى قال : قال قوم على عهد النبى صلى الله عليه وسلم يا محمد إنا نحب ربنا ، فأنزل الله الآية ، وروى محمد بن إسحاق عن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير قال : " نزلت في نصارى نجران وذلك أنهم قالوا : إنما نعظم المسيح ونعبده حبا لله وتعظيما له فأنزل الله هذه الآية ردا عليهم ومحبة العباد لله - كما يقول الزمخشرى - مجاز عن إرادة نفوسهم اختصاصه بالعبادة دون غيره ورغبتهم فيها ، ومحبة الله عباده أن يرضى عنهم ويحمد فعلهم . والمعنى : قل يا محمد للناس على سبيل الإرشاد والتبيين : إن كنتم تحبون الله حقا كما تدعون ، فاتبعوني ، فإن اتباعكم لى يؤدى إلى محبة الله لكم ، وإلى غفرانه لذنوبكم ، وذلك لأن محبة الله ليست دعوة باللسان ، وإنما محبة الله تتحقق باتباع ما أمر به ، واجتناب ما نهى عنه على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم الذى أرسله رحمة للعالمين .
قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية : " هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية ، بأنه كاذب في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدى ، والدين النبوى في كل أقواله وأعماله كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
" من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " .
وقوله { يُحْبِبْكُمُ } جواب الأمر ، وهو قوله { فاتبعوني } . وهذا رأى الخليل .
ويرى أكثر المتأخرين من النحاة أن قوله " يحببكم الله " جواب لشرط مقدر دل عليه المقام والتقدير : إن كنتم تحبون الله فاتبعونى ، وإن اتبعتمونى يحببكم الله ، أى يمنحكم الثواب الجزيل ، والأجر العظيم ، والرضا الكبير .
فأنت ترى أن الآية الكريمة قد بينت أن أول علامات محبة العبد لربه ، هى اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم وأن هذا الاتباع يؤدى إلى محبة الله - تعالى - لهذا العبد وإلى مغفرة ذنوبه .
ومحبة الله لعبده هى منتهى الأمانى ، وغاية الآمال ، ولذا قال بعض الحكماء : " ليس الشأن أن تحب إنما الشأن أن تُحب " . ومحبة الله إنما تتأتى بإخلاص العبادة والوقوف عند حدوده والاستجابة لتعاليم رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وكل من يدعي أنه محب لله وهو معرض عن أوامره ونواهيه فهو كاذب فى دعواه كما قال الشاعر الصوفى :
تعصى الإله وأنت تظهر حبه . . . هذا لعمرى في القياس بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته . . . إن المحب لمن يحب مطيع
ثم ختم - سبحانه - الآية بوصفين جليلين فقال : { والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أى أنه - سبحانه - كثير الغفران والرحمة لمن تقرب إليه بالطاعة ، واتبع رسوله فيما جاء به من عنده .
وأخيرا يجيء ختام هذا الدرس قويا حازما ، حاسما في القضية التي يعالجها ، والتي تمثل أكبر الخطوط العريضة الأساسية في السورة . يجيء ليقرر في كلمات قصيرة حقيقة الإيمان ، وحقيقة الدين . ويفرق تفريق حاسما بين الإيمان والكفر في جلاء لا يحتمل الشبهات :
( قل : إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم . قل : أطيعوا الله والرسول : فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين ) . .
إن حب الله ليس دعوى باللسان ، ولا هياما بالوجدان ، إلا أن يصاحبه الأتباع لرسول الله ، والسير على هداه ، وتحقيق منهجه في الحياة . . وإن الإيمان ليس كلمات تقال ، ولا مشاعر تجيش ، ولا شعائر تقام . ولكنه طاعة لله والرسول ، وعمل بمنهج الله الذي يحمله الرسول . .
يقول الإمام ابن كثير في التفسير عن الآية الأولى : " هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية . فإنه كاذب في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأعماله ، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله [ ص ] أنه قال : " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " . .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.