البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (31)

نزلت في اليهود ، قالوا : { نحن أبناء الله وأحباؤه } أو : في قول المشركين { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } قالوا ذلك ، وقد نصبت قريش أصنامها يسجدون لها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يا معشر قريش لقد خالفتم ملة أبيكم إبراهيم » وكلا هذين القولين عن ابن عباس .

وقال الحسن ، وابن جريج : في قوم قالوا : إنا لنحب ربنا حباً شديداً .

وقال محمد بن جعفر بن الزبير : في وفد نجران حيث قالوا : إنا نعظم المسيح حباً لله . انتهى .

ولفظ الآية يعم كل من ادّعى محبة الله ، فمحبة العبد لله عبارة عن ميل قلبه إلى ما حدّه له تعالى وأمره به ، والعمل به واختصاصه إياه بالعبادة ، ومحبته تعالى للعبد تقدّم الكلام عليها ، وهل هي من صفات الذات أم من صفات الفعل ، فأغنى عن إعادته .

رتب تعالى على محتبهم له اتباع رسوله محبته لهم ، وذلك أن الطريق الموصل إلى رضاه تعالى إنما هو مستفاد من نبيه ، فإنه هو المبين عن الله ، إذ لا يهتدي العقل إلى معرفة أحكام الله في العبادات ولا في غيرها ، بل رسوله صلى الله عليه وسلم هو الموضح لذلك ، فكان اتباعه فيما أتى به احتماء لمن يحب أن يعمل بطاعة الله تعالى .

وقرأ الجمهور : تحبون ، ويحببكم ، من أحب .

وقرأ أبو رجاء العطاردي : تحبون ويحببكم ، بفتح التاء والياء من حب ، وهما لغتان وقد تقدّم ذكرهما .

وذكر الزمخشري أنه قرئ : يحبكم ، بفتح الياء والإدغام .

وقرأ الزهري : فاتبعوني ، بتشديد النون ، ألحق فعل الأمر نون التوكيد وأدغمها في نون الوقاية ، ولم يحذف الواو شبهاً : بأتحاجوني ، وهذا توجيه شذوذ .

قال الزمخشري : أراد أن يجعل لقولهم تصديقاً من عمل ، فمن أدّعى محبته وخالف سنة رسوله فهو كذاب ، وكتاب الله يكذبه .

ثم ذكر من يذكر محبة الله ، ويصفق بيديه مع ذكرها ، ويطرب وينعر ويصفق ، وقبح من فعله هذا ، وزرى على فاعل ذلك بما يوقف عليه في كتابه .

وروي عن أبي عمر إدغام : راء ، و : يغفر لكم ، في لام : لكم ، وذكر ابن عطية عن الزجاج أن ذلك خطأ وغلط ممن رواها عن أبي عمرو ، وقد تقدّم لنا الكلام على ذلك ، وذكرنا أن رؤساء الكوفة : أبا جعفر الرؤاسي ، والكسائي ، والفراء رووا ذلك عن العرب ، ورأسان من البصريين وهما : أبو عمرو ، ويعقوب قرآ بذلك وروياه ، فلا التفات لمن خالف في ذلك .

/خ32