إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (31)

{ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتبعوني } المحبة ميلُ النفس إلى الشيء لكمالٍ أدركتْه فيه بحيث يحمِلها على ما يقرّبها إليه ، والعبدُ إذا علم أن الكمالَ الحقيقيَّ ليس إلا الله عز وجل وأن كلَّ ما يراه كمالاً من نفسه أو من غيره فهو من الله وبالله وإلى الله - لم يكن حبُّه إلا لله وفي الله ، وذلك مقتضى إرادةِ طاعته والرغبةِ فيما يقرّبه إليه ، فلذلك فُسِّرت المحبةُ بإرادة الطاعة وجُعلت مستلزِمةً لاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في عبادته والحرصِ على مطاوعته { يُحْبِبْكُمُ الله } أي يرضَ عنكم { وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } أي يكشفِ الحجبَ عن قلوبكم بالتجاوز عما فرَطَ منكم فيقرّبكم من جناب عزِّه ويبوِّئُكم في جوار قدْسِه ، عبّر عنه بالمحبة بطريق الاستعارة أو المشاكلة { والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي لمن يتحبّب إليه بطاعته ويتقرّب إليه باتباع نبيِّه عليه الصلاة والسلام فهو تذييلٌ مقررٌ لما قبله مع زيادة وعد الرحمةِ ، ووضعُ الاسمِ الجليل موضع الضمير للإشعار باستتباع وصفِ الألوهية للمغفرة والرحمة ، روي أنها نزلت لما قالت اليهودُ : نحن أبناءُ الله وأحباؤه ، وقيل : نزلت في وفد نجرانَ لما قالوا : إنا نعبدُ المسيحَ حباً لله تعالى ، وقيل : في أقوام زعَموا على عهده عليه الصلاة والسلام أنهم يُحبون الله تعالى فأُمروا أن يجعلوا لقولهم مِصداقاً من العمل . وروى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على قريش وهم في المسجد الحرام يسجدون للأصنام وقد علّقوا عليهم بيض النعام وجعلوا في آذانها الشُّنوف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 'يا معشر قريش لقد خالفتم ملة إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام' فقالت قريش : إنما نعبدها حبا لله تعالى ليقربونا إلى الله زلفى فقال الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام : { قل إن كنتم تحبون الله } تعالى وتعبدون الأصنام لتقربكم إليه { فاتبعوني } أي اتبعوا شريعتي وسنتي { يحببكم الله } فأنا رسوله إليكم وحجته عليكم .