فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (31)

( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) الحب والمحبة ميل النفس إلى الشيء لكمال أدركته فيه ، يقال أحبه فهو محب وحبه يحبه بالكسر فهو محبوب ، قال ابن الدهان في حب لغتان حب وأحب ، وقد فسرت المحبة لله سبحانه بإرادة طاعته ، قال الأزهري محبة العبد لله ولرسوله طاعته لهما واتباعه أمرهما ، ومحبة الله للعباد إنعامه عليهم بالغفران .

قيل : العبد إذا علم أن الكمال الحقيقي ليس إلا لله ، وأن كل ما يراه كمالا من نفسه أو من غيره فهو من الله وبالله لم يكن حبه إلا لله وفي الله ، وذلك يقتضي إرادة طاعته والرغبة فيما يقربه إليه ، فلذلك فسرت المحبة بإرادة الطاعة وجعلت مستلزمه لاتباع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في عبادته والحث على مطاوعته قاله القاضي .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن من طرق قال : قال أقوام على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا محمد إنا لنحب ربنا فأنزل الله هذه الآية ، وعن أبي الدرداء قال على البر والتقوى والتواضع وذلة النفس .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية والحاكم عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشرك أخفى من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء وأدناه أن تحب على شئ من الجور وتبغض على شئ من العدل ، وهل الدين إلا الحب والبغض في الله{[316]} ، قال الله تعالى ( قل إن كنتم تحبون الله ) الآية .

قيل نزلت هذه الآية في اليهود والنصارى قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه ، وقيل نزلت في قريش قالوا نعبدها أي الأصنام حبا لله لتقربنا إلى الله زلفى .

والمعنى قل إن كنتم صادقين في ادعاء محبة الله فكونوا منقادين لأوامره وأوامر رسوله مطيعين لهما فإن اتباع الرسول من محبة الله وطاعته ، وفيه حث على اتباعه صلى الله عليه وآله وسلم وإشارة إلى ترك التقليد عند وضوح النص من الكتاب والسنة .

( ويغفر لكم ذنوبكم ) يعني أن من غفر له أزال عنه العذاب ( والله غفور رحيم ) يغفر ذنوب من أحبه ويرحمه بفضله وكرمه ، وهذا تذليل مقرر لما قبله .


[316]:المستدرك للحاكم. كتاب التفسير 2/291.