الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (31)

{ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } الآية ، قال الحسن وابن جريج : زعم أقوام على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنَّهم يحبَّون اللَّه ، فقالوا : يا محمَّد إنَّا نحبُ ربَّنا ، فأنزل اللَّه عز وجل هذه الآية ، وجعل اتبَّاع نبيه عَلماً لحبِّه تعالى .

وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال : وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قريش وهم في المسجد الحرام ، وقد نصبوا أصنامهم وعلَّقوا عليها بعض النعام وجعلوا في آذانها السيوف وهم يسجدون لها . فقال : يا معشر قريش واللَّه لقد خالفتم ملَّة أبيكم إبراهيم وإسماعيل ، ولقد كانا على الإسلام . فقالت له قريش : يا محمَّد إنَّا نعبدها حبَّاً لله ، ليقرّبونا إلى الله زلفى ، فقال الله تعالى : قل يا محمّد إنْ كنتم تحبّون الله وتعبدون الأصنام ليقرّبوكم إليه فاتبعوني يحببكم اللَّه ، وأنا رسوله إليكم وحجتَّه عليكم وأنا أولى بالتعظيم من الأصنام .

وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : إنَّ اليهود لمَّا قالوا : نحن أبناء اللَّه وأحباؤه ، أنزل اللَّه هذه الآية ، فلمَّا نزلت عرضها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على اليهود ، فأبوا أن يقبلوها .

روى محمد بن إسحاق عن محمَّد بن جعفر عن الزبير : قال : نزلت في نصارى أهل نجران وذلك أنَّهم قالوا : إنَّا نعظم المسيح ونعبده حبَّاً لله سبحانه وتعظيماً له ، فقال الله : قل يا محمّد : إنْ كنتم تحبّون الله وكان عظيم قولكم في عيسى حبّاً لله سبحانه وتعالى وتعظيماً له فاتَّبعوني يحببكم اللَّه ، أي : اتَّبعوا شريعتي وسنتي يحببكم اللَّه ، وحب المؤمنين لله اتباعهم أمره وقصدهم طاعته ورضاه ، وحبُّه عزَّ وجلَّ للمؤمنين ( منّة ) عليهم وثوابه لهم وعفوه عنهم وذلك قوله : { وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .

قال الثعلبي : أنشدنا أبو القاسم الحبيبي قال : أنشدنا أبو أحمد محمد بن ابراهيم الصريمي قال : أنشدنا علي بن محمد قال : أنشدني الحسن بن إبراهيم البجلي لعبد اللَّه بن المبارك :

تعصي الإله وأنت تظهر حبَّه *** هذا لعمري في الفعال قبيح

لو كان حبّك صادقاً لأطعته *** إنَّ المحب لمن يحبُّ مطيع

عروه عن عائشة قالت : " قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم " الشرك أخفّ من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء ، وأدناه أن تحبّ على شيء من الجور أو تبغض على شيء من العدل وهل الدين إلاّ الحبّ في الله والبغض في الله قال اللَّه : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } " .

فلما نزلت هذه الآية قال عبد اللَّه بن أُبي ( لأصحابه : إنّ محمّداً يجعل طاعته كطاعة الله ويأمرنا أن نحبّه ) كما أحبت النصارى عيسى ابن مريم ، فنزل : { قُلْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ } :