{ ذلك } العذاب ، { بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا } ولم يقل : يهدينا ، لأن البشر ، وإن كان لفظه واحداً ، فإنه في معنى الجمع ، وهو اسم الجنس لا واحد له من لفظه ، وواحده إنسان ، ومعناها : ينكرون ويقولون آدمي مثلنا يهدينا ! { فكفروا وتولوا واستغنى الله } عن إيمانهم ، { والله غني } عن خلقه ، { حميد } في أفعاله .
{ ذَلِكَ } النكال والوبال ، الذي أحللناه بهم { بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ } أي : بالآيات الواضحات ، الدالة على الحق والباطل ، فاشمأزوا ، واستكبروا على رسلهم ، { فقالوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا } أي : فليس لهم فضل علينا ، ولأي : شيء خصهم الله دوننا ، كما قال في الآية الأخرى : { قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } فهم حجروا فضل الله ومنته على أنبيائه أن يكونوا رسلاً للخلق ، واستكبروا عن الانقياد لهم ، فابتلوا بعبادة الأحجار والأشجار ونحوها { فَكَفَرُوا } بالله { وَتَوَلَّوْا } عن طاعه الله ، { وَاسْتَغْنَى اللَّهُ } عنهم ، فلا يبالي بهم ، ولا يضره ضلالهم شيئًا ، { وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } أي : هو الغني ، الذي له الغنى التام المطلق ، من جميع الوجوه ، الحميد في أقواله وأفعاله وأوصافه .
ثم بين - سبحانه - الأسباب التى أدت إلى سوء عاقبة هؤلاء السابقين فقال : { ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بالبينات فقالوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا } .
أى : ذلك الذى أصاب الأقوام السابقين من هلاك ودمار ، سببه أنهم كانت تأتيهم رسلهم بالآيات البينات ، وبالمعجزات الواضحات ، الدالة على صدقهم ، فما كان من هؤلاء الأقوام إلا أن أعرضوا عن دعوة الرسل ، وقال كل قوم منهم لرسولهم على سبيل الإنكار والتكذيب والتعجب : أبشر مثلنا يهدوننا إلى الحق والرشد ؟ !
فالباء فى قوله { بِأَنَّهُ } للسببية ، والضمير ضمير الشأن لقصد التهويل والاستفهام فى قوله { أَبَشَرٌ } للإنكار والمراد بالبشر : الجنس ، وهو مرفوع على أنه مبتدأ وخبره جملة { يَهْدُونَنَا } .
وشبيه بهذه الآية ما حكاه القرآن من قول قوم صالح له : { فقالوا أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّآ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ . . . } والفاء فى قوله : { فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ واستغنى الله } للسببية .
أى : فكفروا بسبب هذا القول الفاسد : { وَتَوَلَّواْ } أى : وأعرضوا عن الحق إعراضا تاما { واستغنى الله } أى : واستغنى الله - تعالى - عنهم وعن إيمانهم ، والسين والتاء للمبالغة فى غناه - سبحانه - عنهم .
{ والله غَنِيٌّ حَمِيدٌ } أى : والله - تعالى - غنى عنهم وعن العالمين ، محمود من كل مخلوقاته بلسان الحال والمقال وهو - تعالى - يجازى الشاكرين له بما يستحقونه من جزاء كريم .
وقوله : ذلكَ بأنّهُ كانَتْ تأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بالبَيّناتِ يقول : جلّ ثناؤه : هذا الذي نال الذين كفروا من قبل هؤلاء المشركين من وبال كفرهم ، والذي أعدّ لهم ربهم يوم القيامة من العذاب ، من أجل أنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات الذي أرسلهم إليهم ربهم بالواضحات من الأدلة والإعلام على حقيقة ما يدعونهم إليه ، فقالوا لهم : أَبَشَرٌ يهدوننا ؟ استكبارا منهم أن تكون رسل الله إليهم بشرا مثلهم واستكبارا عن اتباع الحقّ من أجل أن بشرا مثلهم دعاهم إليه وجمع الخبر عن البشر ، فقيل : يهدوننا ، ولم يقل : يهدينا ، لأن البشر ، وإن كان في لفظ الواحد ، فإنه بمعنى الجميع .
وقوله : فَكَفَرُوا وَتَوّلُوْا يقول : فكفروا بالله ، وجحدوا رسالة رسله الذين بعثهم الله إليهم استكبارا وَتَوَلّوا يقول : وأدبروا عن الحقّ فلم يقبلوه ، وأعرضوا عما دعاهم إليه رسلهم واسْتَغْنَى اللّهُ يقول : واستغنى الله عنهم ، وعن إيمانهم به وبرسله ، ولم تكن به إلى ذلك منهم حاجة وَاللّهُ غَنِيّ حِميدٌ يقول : والله غنيّ عن جميع خلقه ، محمود عند جميعهم بجميل أياديه عندهم ، وكريم فعاله فيهم .
ذلك أي المذكور من الوبال والعذاب بأنه بسبب أن الشأن كانت تأتيهم رسلهم بالبينات بالمعجزات فقالوا أبشر يهدوننا أنكروا وتعجبوا من أن يكون الرسل بشرا والبشر يطلق للواحد والجمع فكفروا بالرسل وتولوا عن التدبر في البينات واستغنى الله عن كل شيء فضلا عن طاعتهم والله غني عن عبادتهم وغيرها حميد يدل على حمده كل مخلوق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.